الجمعة، 22 مايو 2020

روح الدبلوماسية


بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي
يمكن تعريف الدبلوماسية من الناحية الروحية خارج اطارها التقليدي الرسمي؛ بأنها مهنة مقدسة ووظيفة ذات عطاء دائم ومتجدد، تستمد قوتها وبريق عملها من روح ووجدان وضمير الموظف المكلف بخدمة خارجية من خلال الفهم العالي للمهمة الموكلة إليه مضافا لذلك المهنية في التصرف المستمد من الرقي في الاخلاق والنزاهة في العمل والتعامل، وحفظ الأمانة والمحافظة قدر الإمكان والالتزام بروح القانون الإداري والعرف الدبلوماسي والمعاهدات والاتفاقات الدولية، وعدم التجاوز والتحايل عليها بأي شكل من الاشكال لدواعي قد تكون شخصية او نفسية على حساب المصلحة العامة. 
ان روح الدبلوماسية تتجسد في روح الموظف الدبلوماسي ومدى فهمه للفقه الدبلوماسي عالي المستوى الذي لن يكون في اية حال من الأحوال مجرد حركة دؤوبة او نشاط يقوم به المكلف لتحقيق بعض الأمور الروتينية في العمل والعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التقليدية الطافية على المسرح الدبلوماسي او تجسيدا لمظهر لائق يتصف بالأناقة وكيفية تناول الطعام وتحدث اللغة وما شابه ذلك. ان من ضمن اهم المفردات الفقهية المعبرة عن روح الدبلوماسية الحية تكمن في كيفية التصرف كـ دبلوماسي حين تكون لوحدك على المحك في مواقف معينة وأنت صاحب القرار، وهذا الامر يتطلب الغوص في روح الدبلوماسية التي تتجسد في الولاء الوطني والخبرة المستوحاة من بحر الفقه الدبلوماسي الذي ليس مجرد اجتهادات وشطارة يتغمصها الشخص الدبلوماسي المكلف بأداء مهمة مقدسة، وإنما هي روح ناعمة يجب التعامل معها برومانسية عالية الشعور بالمسؤولية، وهواء نقي يتنفسه الدبلوماسي في كل لحظة يعيشها في هذا السلك المقدس.
لذلك فان تراكم الخبرة في العمل الدبلوماسي من خلال الخوض في التجارب المختلفة يحصن الموظف بمناعة من احتمالية ارتكاب الاخطاء في التصرف واتخاذ القرارات التي لا تحتاج العودة الى المرجعيات العليا، وإنما تحددها الجهود الشخصية المبنية على الاجتهاد في التفسير غير الخاطىء للحالات والظواهر السياسية والاقتصادية والثقافية لتجنب الوقوع في الخطأ الجسيم الذي قد يكلف الدبلوماسي مستقبله الوظيفي. وعليه يعد التواصل البنيوي للمهارات وتنمية القدرات والخبرات من الأمور المهمة التي يكون لها مردودا إيجابيا على العطاء الوظيفي المؤطر بالتعليمات والقانون، وفي تلك الحالة يكون الجهد الشخصي في اطار مفهوم روح المهمة الدبلوماسية مكملا في صقل شخصية الدبلوماسي مهنيا وفكريا وعقائديا.
 
ووفقا لهذا المنظور وبناء عليه، فإن احترام المرجعيات الوظيفية – المهنية - والاستئناس برأيها يعد مصدرا للتمويل الفكري والمهني لموظف الخدمة الخارجية الذي يجنبه الوقوع في مشاكل ومطبات قد تواجهه في مسيرة حياته الوظيفية، وبما انه على الانسان ان يبقى طالبا للعلم من المهد الى اللحد، لذلك ليس عيبا على الدبلوماسي ان يسأل اقرانه في الوظيفة أو رؤساءه في العمل عن بعض الأمور الغامضة عليه التي تتعلق باكتساب الخبرة في العمل لكي يقي نفسه ويجنبها الوقوع في الخطأ الغير مقصود أحيانا الذي ربما يكلفه الكثير من المعاناة حين تأخذه العزة بارتكاب الاثم.

لذلك يعد التعامل بمهنية وحذر بنشر الاخبار في الاعلام السريع من الأمور المسلم بها في اطار قدسية الوظيفة الدبلوماسية وروحها النقية لكي لا يترتب على ذلك مآخذ من شانها ان تضر بسمعة الشخص والكيان السياسي والثقافي للدولة والمجتمع، حتى لو افترضنا ان الغرض منها شريفا، والقصد من ذلك يتسم بالبراءة وأريد منه منفعة عامة.
وعليه تعول البلدان المتقدمة على تراكم الخبرة لدى الموظفين الدبلوماسيين - الذين ينعتون بالمخضرمين - ذوي الخبرة المتراكمة التي تعزز الجهود الشخصية للدبلوماسي في العمل المهني الدؤوب الذي يرتكز على قواعد رصينة يكون الخلل فيها نادر الحدوث او مستحيلا، لذلك لا يصلح كائن من يكون للعمل في هذا السلك المقدس، ولا يصح التعامل مع المؤسسة الدبلوماسية كغيرها من المؤسسات الخدمية الاخرى في الدولة، لان ذلك سيفقدها روحها البريئة القائمة على النقاء والإخلاص والأخلاق السامية، وحسن التعامل مع الآخر، والحس الوطني المرهف الذي يجب ان يصدح في عقول الموظفين وضمائرهم الحية بعيدا عن الكراهية والتحايل وسلب الحقوق بسبب غياب الرقيب المنصف الذي تهمه مصلحة الدولة والشعب.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

مبدع كعادتك

غير معرف يقول...

ممنون ربي يحفظكم