الخميس، 12 نوفمبر 2020

رؤية لنظام اقتصادي عالمي جديد

 

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي

افرزت الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ نوعين من النظم الاقتصادية العالمية المؤثرة في الساحة الدولية، تمثلت بـ "النظام الاقتصادي الاشتراكي" بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، زعيم المعسكر الاشتراكي، والذي قام على ركيزتين اساسيتين تمثلت بالموارد الاقتصادية الكافية والموارد البشرية الفنية، يقابله في كفة الميزان التجاري "النظام الاقتصادي الرأسمالي" بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، القائم على استحواذ القطاع الخاص على اقتصاديات الدول الرأسمالية والتحكم بقرارها السياسي والاقتصادي العام. ومنذ ذلك الحين بدأ الصراع التنافسي على الزعامة العالمية بين النظامين الاقتصاديين الاشتراكي والرأسمالي كمحصلة نهائية للصراع بين الشيوعية السوفيتية والرأسمالية الغربية.

انتهى الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية بهزيمة النظام الاقتصادي الاشتراكي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام ١٩٩١، نتيجة عدم تحديث سياسته الاقتصادية والياته الادارية والمالية، الذي ساعد النظام الرأسمالي على تزعم الاقتصاد العالمي والتحكم بالياته وحركته الديناميكية دوليا، والذي اتاح الفرصة لهيمنة مجموعة من الافراد على اقتصاديات الدول العظمى بشكل كامل، خاصة الغربية منها، ليصبح قرارها السياسي مرهون بمصلحة لوبي القطاع الاقتصادي الخاص وتوجهاته، الذي اضحى يوجه سياسة الدول الغربية حيثما يشاء، والعودة بها الى سياسة اقامة الحروب وخلق الازمات حسب مقتضيات مصلحته في كيفية زيادة ثروته والسيطرة على ادارة راس المال العالمي في آن واحد.

ونتيجة لذلك المخاض ولد فكر العولمة الاقتصادي بأبشع صوره كمحصلة نهائية للصراع، والرغبة في تحويل العالم الى قرية صغيرة لتسهيل عملية السيطرة عليه، لكن النظام الرأسمالي لم يبق معافى اقتصاديا الى ما لا نهاية حاله حال النظام الاشتراكي، حيث تعرض في الاونة الأخيرة الى عدة هزات وأزمات عالمية وضعته على حافة الشيخوخة والانهيار المحتمل ايضا، والتي من ابرزها الازمة المالية التي عصفت بالعالم عام ٢٠٠٨، وأجبرت الدول الرأسمالية الغربية على التدخل لإنقاذ البنوك من الإفلاس، حيث عًّدَ ذلك التدخل بمثابة "اعترافا خجولاً" من قبل الدول الغربية بضرورة اشتراكية الدولة لديمومة النظام الاقتصادي الرأسمالي وإنقاذه من الانهيار الذي يلوح في الأفق، اعقبتها ازمة جائحة كورونا مطلع عام ٢٠٢٠، التي ادت الى نوع من الركود والكساد الاقتصادي العالمي الحاد والمخيف، الامر الذي عطل دوران عجلة الاقتصاد المحلي والعالمي، ودفع اغلب الدول الرأسمالية لتخصيص اموالاً طائلة لدعم المؤسسات الانتاجية والخدمية للقطاع الخاص بهدف عدم تسريح العاملين، وللحيلولة دون شيخوخة النظام الرأسمالي المبكرة والمحتومة وانهياره السريع، والذي اضحى بأمس الحاجة الى ابتكار طرق انقاذ جديدة تتجاوز النظم الرأسمالية التقليدية ونظام العولمة الاقتصادي الحديث.

لذلك يمكن ان نعد مسالة تدخل الدولة "الخجول" لدعم القطاع الخاص في الدول الرأسمالية بمثابة بادرة للتعاون ورسم ملامح لنظام اقتصادي عالمي لمرحلة قادمة تنصهر في بودقته "الاشتراكية" و"الرأسمالية" لتنتج نظاما اقتصاديا عالميا جديدا يمكن تسميته بـ "الاشتراكية الرأسمالية" الذي تكون فيه الدولة داعمة ومساهمة في المؤسسات الانتاجية على اساس المصالح المشتركة بين القطاعين "الحكومي العام" و"الخاص" للنهوض بالواقع الاقتصادي المحفوف بالمخاطر لكثير من الدول العظمى، تضمن فيه الدولة عدم تسريح العاملين، الذي تزداد معه طرديا نسبة البطالة والمشاكل الاجتماعية المترتبة عليها، وتوفير فرص عمل جديدة فنية وغير فنية للعاطلين، وزيادة الانتاج المحلي والناتج القومي الإجمالي، الذي يزيد من نسبة النمو الاقتصادي وتفادي الركود والكساد، ويساعد في التغلب على الازمات الاقتصادية المتكررة بسبب جائحة كورونا وما شابه ذلك من الازمات الاقتصادية المتتالية الاخرى، التي ستفرض واقعا اقتصاديا جديدا تشترك فيه الدولة والقطاع الخاص لصياغة نظاما اقتصاديا عالميا جديدا، كما اسلفنا، يعرف بـ"النظام الاقتصادي الاشتراكي الرأسمالي"، والذي تكون نسبة مساهمة الدولة فيه اكثر من (٥٠%)، وعلى الا تتجاوز مساهمة القطاع الخاص نسبة (49%).

حيث اثبتت التجارب السابقة في بعض الدول النامية ومنها (العراق) نجاح تجربة العمل بهذا القطاع الاقتصادي المهم، الذي كان يعرف بـ"القطاع المختلط"، والذي تساهم الدولة فيه بأكثر الاسهم لتضمن حقوق العاملين وسيطرتها على ادارة المؤسسات الانتاجية التي تعمل بـ"نظام التمويل الذاتي"، والتي من اهم اولوياتها زيادة الانتاج على اساس الجودة لسد حاجة السوق المحلية من السلع الاستهلاكية بكافة انواعها وتصدير الفائض، وتوفير اكبر عدد من فرص العمل للعاطلين، حيث يتم توزيع الارباح السنوية على العاملين والمساهمين لتشجيعهم على زيادة الإنتاج، مما يساعد الدولة على توفير فرص عمل جديدة، ويرفع عن كاهلها تخصيص رواتب في الموازنة السنوية العامة للعاملين في المؤسسات الإنتاجية، ويوفر لها العملة الصعبة التي تذهب لغرض استيراد السلع غير الضرورية، وتفتح ابوابا للفساد وغسيل الأموال، وبذلك تستطيع الدول ان تحول اقتصادها من ريعي وحيد الجانب ومحفوف بالمخاطر الى اقتصاد انتاجي متعدد المصادر، وتقضي على البطالة بعد تشغيل اكبر عدد من الايدي العاملة بصنفيها الفنية وغير الفنية، وتفتح المجال للقطاع الخاص لان يكون اكثر فعالية وطموح لجني الارباح من خلال زيادة الانتاج وتنويعه برعاية وحماية وضمانة الدولة.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب  اضغط على الرابط الاتي: مجلة معارج الفكر

ليست هناك تعليقات: