‏إظهار الرسائل ذات التسميات المقالات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المقالات. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 28 ديسمبر 2023

العلاقة الجدلية بين الدولة والنظام السياسي

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي

اختلف الفقهاء في التوصل الى تعريف جامع لمفهوم الدولة، لكن التعريف الاقرب للدولة؛ بانها تلك الرقعة الجغرافية التي تحيط بها حدود معترف بها بموجب القانون الدولي، يقطنها مجموعة من الافراد (الشعب) بغض النظر عن قومياتهم وانتماءاتهم الدينية، تحكمها القوانين والانظمة والمؤسساتية في العمل، والتي تمنحها الشخصية القانونية المعنوية العليا، ويكون الفرد فيها (الشعب)، الذي يكتسب الشخصية القانونية منذ الولادة، مصدراً للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام الديمقراطي، وهو من يختار افراد النظام السياسي ويعطي الصفة (القانونية المعنوية) لهم لادارة الدولة.

أما النظام، فيعرف بمجموعة الافراد الذين حصلوا على تفويض شعبي في اطار القانون لادارة الدولة سياسياً واقتصادياً وثقافياً ومجتمعياً واكتسبوا الحق القانوني في تمثيل الدولة اقليماً ودولياً من خلال المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية استناداً لدستور وقوانين البلاد والرؤى التي يمتلكونها، وبموجب خطة عمل لفترة محددة من السنين، والتي يجب ألا تتعارض ومصلحة الدولة والشعب، يصان فيها المال العام وتحفظ الحقوق وتحدد الواجبات في اطار القانون، وتصان فيها ايضا وتحفظ الحريات ويحترم حق التعبير عن الرأي الهادف للفرد والجماعة.

وهنا، يكون العمل تكاملياً بين الدولة ممثلة بالشعب وبين النظام السياسي المنتخب ديمقراطياً للنهوض بالواقع الجمعي للمجتمع، حيث تكون الرقابة في تنفيذ المشاريع والمحافظة على المال العام مسؤولية الجميع سواء كان الشعب او النظام في اطار القوانين النافذة وكذلك العرف الاجتماعي من باب الحرص من قبل الشعب على سيادة القانون وعدم تبذير الموارد.

لكنه، يستطيع النظام ان يشحن الدولة/ الشعب لمصلحته قومياً، كما فعل الرئيس الامريكي ترامب في تسلقه سلم الدولة للوصول الى كرسي النظام السياسي، وكذلك يستطيع النظام في بعض الاحيان ان يستفز مشاعر الناس عرقياً وطائفياً ودينياً ومذهبيا لتحقيق مصالح فئوية وشخصية ضيقة على حساب مصلحة الدولة والشعب، ولكن حين تستشعر الدولة بتعارض ما يقوم به النظام السياسي مع مصلحتها العامة يخرج الشعب الممثل الحقيقي للدولة للاعتراض على تصرفات النظام للحد منها وايقاف التمادي والاستمرار بالحاق الضر بمقدرات الدولة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية وتشويه سمعتها على المستوى المحلي والاقليمي والدولي سواء كان ذلك بقصد او بغير قصد.

وحين يعجز النظام عن ادارة الدولة بالشكل الصحيح ويتنصل عن التزاماته ووعوده في تصحيح مسيرة العملية السياسية، يبدا الصراع بين الدولة ممثلة بالشعب وبين النظام السياسي الذي امتلك الصفة القانونية والمعنوية للسلطة من الدولة، صاحبة الشخصية القانونية المعنوية العليا، وكذلك الاستحوذ على المال العام والسلاح والانصار، لكنه خرج عن ارادة الجماهير.

وحين يبدا الصراع والتصادم ويتم تبادل الاتهامات بين الشعب والنظام السياسي بالتخوين والتخريب والقتل، ويسمح لبعض الاطراف الخارجية بالتدخل في الشأن الداخلي للدولة لتدارك الموقف، حينها يفقد النظام السياسي شرعيته وشخصيته القانونية المعنوية باعتبار ان الشعب هو مصدر السلطات.

ولتفادي تفاقم الازمة وتطورها الى ما لا يحمد عقباه تعلن الحكومة استقالتها كما حدث في بلدان عديدة ذات الانظمة الديمقراطية وتتحول الى حكومة تصريف اعمال يومية، وتحل المؤسسة التشريعية وتتم الدعوة الى انتخابات مبكرة لانتخاب نظام سياسي جديد من قبل الشعب لإدارة الدولة.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الاتي: مجلة معارج الفكر

السبت، 4 نوفمبر 2023

الإنقياد الغربي للسياسة "الإسرائيلية"... أسبابه وتداعياته

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي

إن الوقائع التاريخية تؤكد، وبما لا يقبل الشك، بأن للغرب تاريخ دموي، ينتج نفسه على مر الزمن، بعيد كل البعد عن الإنسانية وحقوق الإنسان التي يدعونها، إذ يبدأ في الحروب الصليبية ضد الشرق المسلم، مروراً بحرب الثلاثين عاماً الأوربية، والحربين العالميتين الأولى والثانية، وصناعة إرهاب القاعدة وداعش، ناهيك عن قيادة الحروب وإذكاء الصراعات في آسيا الوسطى، وأفريقيا، وتدمير العراق واليمن وليبيا وسورية والسودان، وإشعال الحرب ودعمها في أوكرانيا بعد تغيير النظام السياسي فيها، يضاف الى ذلك محارق اليهود في أوربا بسبب العداء التأريخي بين اليهودية والمسيحية حسب الموروث الغربي، حيث انتهت محاربة اليهود في أوربا بالمحرقة ابان الحرب العالمية الثانية والعمل على تهجيرهم الى فلسطين، ودعم كيانهم المسخ، وذلك لعدة أسباب من أهما:

أولاً- السبب الديني: إن النبوءات المسيحية تؤكد بأن السيد المسيح سيظهر في آخر الزمان ويقتص من قتلته اليهود، حيث سيتم القضاء عليهم بعد جمعهم في فلسطين، ليس حباً بهم وإنما انتقاماً منهم، وبذلك ينتصر للمسيحية، حينها تملء الأرض عدلاً وقسطا بعد أن امتلأت جوراً وظلماً، وهذا هو مبدأ حركات التبشير المسيحية منذ قرونٌ مضت، لذا فإن جمع اليهود ليوم القصاص في فلسطين أضحى واجباً دينياً مقدساً لكل نظام ديني وسياسي غربي.

ثانيا - السبب السياسي: إن العداء الغربي - الشرقي الأزلي يحتم على الغرب إيجاد مناطق توتر في الشرق الأوسط لجعل المنطقة العربية في صراع وعدم إستقرار دائم، حتى لا يفكر العرب مرة أخرى في عبور الأطلسي كما فعلوا في سالف الزمن، ولذلك كان لقرار إعطاء اليهود وعد بلفور في فلسطين عام 1917، وإهدائهم ما لا يملكون، وتعاهدهم على دعم هذا الكيان بكل ما أوتوا من قوة، ليكون منطقة توتر في قلب الأمة العربية، هدفاً سياسياً تمت دراسته بإمعان في مؤتمر الغرب عام ١٩٠٩.

ثالثا- الجانب الاقتصادي: إن أغلب الساسة الغربيين يؤمنون حد الثمالة بأن هناك خطأ الهي حدث عند تكوين الكرة الأرضية، حين أُوجدتْ مصادر الطاقة في الشرق والصناعة في الغرب، فالأجدر، حسب تصورهم، أن تكون الطاقة والصناعة في القارة الباردة، وعليه لابد من إيجاد أسواق مستدامة لتصريف البضاعة الأوربية الأغلى (السلاح) في سوق الدول العربية الغنية بالنفط، أي العمل على تدوير موارد الطاقة الى الغرب، وبذلك لا يسمح للدول العربية بتبني مشاريع صناعية تنموية منتجة تنافس الصناعة الأوربية، ولهذا السبب لابد من تدمير الصناعات الناشئة في الشرق العربي من خلال صناعة الحروب والأزمات والتوترات المحلية والإقليمية، وكما يرى المرء جلياً ويسمع.

لذلك يعد "الكيان الإسرائيلي" القاعدة الغربية المتقدمة لتدمير الشرق الأوسط، والتوسع على حساب بلدانه المستضعفة، بعد أن تم تزويد هذا الكيان بالمال والسلاح النووي والغواصات النووية منذ مطلع الستينات من القرن الماضي من قبل فرنسا والمانيا، الى جانب الدعم السياسي الدولي من قبل صناع السياسة الغربية كبريطانيا وأمريكا والدول الغربية الأخرى، لذلك يعد الدعم الغربي المعلن لليهود بمثابة "عداء معلن للعرب"… "الحليف العدو".

ومن الأسباب والتداعيات أيضاً هيمنة القوى الإقتصادية اليهودية الصهيونية من خلال نفوذ الشركات متعددة الجنسيات على اللوبي الإقتصادي الغربي، والتحكم بصناعة القرار السياسي للأنظمة السياسية الغربية حسب أهوائهم، والتي تمثل القوى الخفية لصناعة السياسة الغربية العالمية الداعمة للكيان الصهيوني.

وبهذه الطريقة أضحى اليهود الصهاينة يتحكمون بمصير الساسة الغرب بعد مصادرة قرارهم السياسي وشخصيتهم القانونية والمعنوية، بحيث بات اليهود يعينون الرؤساء الموالين لهم بنسبة ٩٩,٩، بعد أن يتم اعدادهم سلفاً كقادة للأحزاب أو كشخصيات إقتصادية أو سياسية بارزة ، إذ يلاحظ المرء حالياً بأن الأغلب الأعم من الرؤساء والساسة الغربيين يعملون على عكس إرادة ومصالح شعوبهم، كما هو الحال في الحرب الأوكرانية التي تسببت بأزمة أقتصادية خانقة لأوربا، وكذلك التردد بالإستثمار في المنطقة العربية الغنية بالموارد، إرضاءً للوبي الإسرائيلي العالمي، الذي بات يتحكم بمصير شعوب القارة العجوز والعالم أجمع، وينتهك حقوق الانسان في فلسطين أمام مرأى ومسمع الجميع وبدعم غربي، ويمزق تقارير الأمم المتحدة على منصتها في أكبر إنتهاك صارخ لميثاق المنظمة الدولية "العجوز"، وعدم إحترامها من قبل المندوب "الصهيوني".

وبناء على ما تقدم، يجب على الدول العربية والإسلامية أن تعي وتعرف أعداءها، وتبلور إستراتيجيات الدفاع والأمن المشترك، والإستقرار والتنمية المستدامة، بحيث لا تسلم نفسها رهينةً لدى النظام الغربي - الصهيوني ليتم نحرها حيثما يشاء عدوها. 

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الآتي: مجلة معارج الفكر

السبت، 6 مايو 2023

التقارب السياسي في الشرق الاوسط من وجهة نظر أمريكية

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي

ترتبط اكثر دول الشرق الاوسط العربية والإسلامية، من ضمنها تركيا، بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وان اهم ما يميز هذه العلاقات، ويجعلها محط اهتمام الجميع، انها قائمة على العدائية، والابتزاز، ولي الأذرع، ناهيك عن انعدام الثقة بين كافة الاطراف تارةً، وتحقيق المصالح الاسرائيلية فيما يتعلق بالتطبيع وإضعاف دول المنطقة بإذكاء الصراع العربي - الاسرائيلي، والغربي - الشرقي تارةً أخرى، إذ لم يكن لمصالح أمريكا والشعب الامريكي والأوربي مكاناً في المعادلة السياسية والاقتصادية الغربية في البلدان العربية والإسلامية في تلك المنطقة.

المشكلة، ان الامريكان وحلفاءهم الغربيين يعملون دائما على إدامة الصراعات في المنطقة، وهم من يضع الحلول لتهدئتها أو تازيمها وإدامتها، لكي تبقى تلك الرقعة الجغرافية بمثابة برميل بارود يمكن ان يقدح في اي زمان ومكان ليحرق ما حوله، وخير دليل على ذلك الحرب في اليمن، والعراق، وسوريا، وليبيا، وما الفته الشعوب العربية والإسلامية من ثورات الربيع في مصر، وتونس، والسودان بعد تقسيمها وما تمر به الان من مخاض عسير، وايران، وافغانستان، الى جانب حركات التمرد والحروب الطائفية والعرقية، وصناعة القاعدة وداعش الارهابية والدعم المؤسساتي لها من قبل اجهزة المخابرات الغربية بالتنسيق والتعاون مع بعض الانظمة الفاعلة في الشرق الأوسط، التي تبنت وتتبنى دائماً الاجندات الأمريكية، لكي تجد لها مكاناً ورصيداً سياسياً في الساحة الدولية، تحت شعار "الذي ليس معنا فهو ضدنا".

ان النهج السياسي الامريكي المفضوح في منطقة الشرق الاوسط لم ياتِ أوكله بالمعنى العام، بعد نشوب الحرب بالوكالة في أوكرانيا، بهدف استنزاف القدرات الاقتصادية والعسكرية لروسيا وإبعادها عن المعسكر الغربي بقيادة أمريكا، والشرقي بقيادة الصين، إذ انها، أي امريكا، اصبحت ملامة من قبل الانظمة الاوربية على مشاكلها المستمرة في العالم، خاصة في الشرق الاوسط، وبدء الحديث عن ضرورة العمل على انهاء تلك المشاكل او تجميدها الى حين، لكي يتم التفرغ للمواجهة الاكبر مع روسيا والصين.

لذلك أمسى على الولايات المتحدة التحرك لغلق بعض جبهاتها في الشرق الاوسط من خلال اطلاق العنان لدول الخليج العربي بقيادة السعودية والامارات، وكذلك العراق والاردن، ومصر وتركيا، لتلعب دوراً في تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة من ضمنها ايران، بهدف وضعها تحت مظلة تحكم امريكية واحدة، شريطة أن تتم المحافظة على الامن القومي الإسرائيلي، وان يستمر مسلسل التطبيع، مقابل ان يكون هناك صلح وتعاون أمني وتنمية اقتصادية في دول الشرق الاوسط بقيادة السعودية، التي أخذت تتحدث بملء الفم عن عالم شرق أوسطي يضاهي في تطوره العالم الغربي في المستقبل أو يزيد، بعد أن تختفي كل مظاهر الصراع والعدائية بين تلك البلدان، ويحل محلها السلام، والتعاون، والتنمية الاقتصادية، والعمل على ايجاد حل لموضوع البرنامج النووي الايراني مرضي لجميع الاطراف، بضمنها "الكيان الإسرائيلي"، مقابل الحصول على وعود بامتلاك السعودية والإمارات وبعض دول المنطقة على الطاقة النووية للأغراض السلمية وبإشراف أُممي.

وبذلك تكون الولايات المتحدة الامريكية قد أمنت الجبهة الجنوبية مع روسيا، وحجمت الى حد ما الاستثمار الاخضر الصيني في منطقة الشرق الاوسط، بعد أن يتم فتح جبهة الحرب بالوكالة معها بمساعدة السلطة السياسية في تايوان، وكما يحدث الآن بين روسيا وأوكرانيا، وبهذه الطريقة ممكن ان يتم تجميد المشاكل الامريكية في الشرق الاوسط الى حين العودة، وإفشال الجهود الاقتصادية الصينية في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بمشروع "الحزام والطريق" وقنواته الجافة والرطبة، وكل ما يتعلق بالعلاقات الاستراتيجية لدول الشرق الاوسط العربية والاسلامية مع الصين وروسيا.

وبناء على ما تقدم، يمكن ملاحظة الحركة المكوكية لكبار المسؤولين الامريكان وأعضاء الكونغرس الامريكي الى السعودية في الاونة الاخيرة للقاء الامير محمد بن سلمان، تزامناً مع اجتماعات جدة لكبار مسؤولي الدول العربية الفاعلة في المشهد السياسي في نيسان ٢٠٢٣، في الوقت الذي تلوح في الافق بوادر الحل السياسي لازمة اليمن، وعودة العلاقات بين السعودية وايران، وبدء التقارب التركي - المصري، والتقارب السعودي - السوري - الخليجي - العربي، الذي سيمهد الطريق لعودة سوريا الى الحاضنة العربية، بهدف ابعادها عن النفوذ الروسي.

لذلك بات على دول الشرق الاوسط العربية والإسلامية العمل بجدية، وكما اشرنا في مقال سابق، على توظيف الازمة بين الغرب والشرق لبلورة كيان سياسي واقتصادي وأمني شرق اوسطي له شخصية وثقل دولي، بعيداً عن التناحر والعدائية غير المبررة، والفكر المنحرف، متخذين من مصالح الشعوب العربية والاسلامية شعاراً للصلح والأخاء والرخاء، والمحبة والبناء، والتنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة، مستغلين الظرف الدولي الراهن الذي تمر به قوى الشر، والذي ربما لا يتكرر في المستقبل.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الآتي: مجلة معارج الفكر

السبت، 18 مارس 2023

الشرق الأوسط وحلول الفرصة الأخيرة "الصفرية"

بقلم:  الدكتور زاحم محمد الشهيلي

تشير الاحداث السياسية والاقتصادية العالمية المتسارعة، المتعلقة بتراجع السوق النفطية وانكماش النمو الاقتصادي العالمي، ويؤكد خبراء الاقتصاد والباحثون في الشأن السياسي والاقتصادي المحلي والدولي ايضاً، بان نتائج ازمة "جائحة كورونا" و"الحرب في أوكرانيا" ستأتي على نظم العولمة التي تتحكم بنمو الاقتصاد العالمي وحركة رأس المال، وستنتج نظاماً عالمياً جديداً يتلائم وكيفية رسم المستقبل السياسي والاقتصادي للمرحلة المقبلة المعبأة بآلام ومشاكل وأزمات المرحلة السابقة، وسوف لن يخرج النظام العالمي الجديد عن قيادة أمريكا او الصين أو القيادة الموحدة للاثنين معاً.

وهذا الامر سيمنح دول العالم الثالث في الشرق الاوسط - خاصة الدول العربية والإسلامية - فرصة التعافي المريح البعيد عن الصخب، والتي ربما ستكون الفرصة الاخيرة لها لإيجاد حلول "صفرية" لانتعاشها السياسي والاقتصادي والأمني من خلال استغلال نتائج تلك الازمات بشكل ذكي وصحيح بعيداً عن التشنج والكراهية والتبعية.

ان الحل الأمثل لخروج دول الشرق الأوسط الاسلامية من أزمة الثقة والصراعات فيما بينها، والتدخلات الخارجية التي خلقت هذا الواقع المرير في المنطقة، ومعالجة أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية، التي قد تكون خانقة جداً في المستقبل، والذي يعد أحد حلول الفرصة الأخيرة "الصفرية"، ان تستغل تلك الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط فرصة أزمة "جائحة كورونا"، وانشغال الغرب في حرب أوكرانيا لتركيع روسيا، وما ستخلفه من أزمات سياسية واقتصادية ستعصف بالعالم، نتيجة الركود والانكماش الاقتصادي للدول الصناعية مثل دول اوربا وأمريكا والصين وروسيا.

لتبدأ الدول الشرق اوسطية بسحب نفسها تدريجياً من التبعية السياسية والاقتصادية العالمية المقيتة، التي وضعت نفسها بها لسنين طويلة، لتُنشأ لنفسها تدريجياً كياناً سياسياً واقتصادياً وأمنياً مستقلاً يكون له ثقله العالمي المميز على الساحة الدولية في المستقبل.

أن من أهم متطلبات تنفيذ هذه الخطوة قيام الدول المعنية بإطلاق مبادرات سلام حقيقية تتبع التقارب السياسي السعودي - الايراني والمصري - التركي، الذي بدأت بوادره تلوح في الافق الشرقية من الكرة الارضية، وإرسال رسائل اطمأنان فيما بينها، مفادها نبذ الارهاب والعنف والتطرف الديني والعرقي والمذهبي بكافة أشكاله، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتخلي عن الأطماع التاريخية التوسعية، وإبداء الرغبة الصادقة للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني المشترك الذي يلبي رغبات وطموحات ومصالح شعوب دول منطقة الشرق الأوسط.

وان تدعوا الدول المعنية بأمانة وتجرد وإرادة حرة إلى انشاء تكتل سياسي واقتصادي وأمني شرق أوسطي تحت مسمى "المجلس الاقتصادي لدول الشرق الاوسط للأمن والأعمار والاستثمار"، تكون نواته الدول العربية الرائدة مثل السعودية وبقية دول الخليج، ومصر، والعراق، والجزائر، وتونس، وليبيا، والمغرب، والأردن، اضافة إلى تركيا وإيران وباكستان.

بحيث تكون من اهم أولويات هذا التكتل العمل على استتباب الامن في المنطقة ودعم التنمية الاقتصادية والبشرية والتكامل الاقتصادي من خلال تنفيذ مشاريع الأعمار والاستثمار في الدول الاعضاء وبمساعدة الدول الصديقة مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والدول الصناعية التي ليس لديها تاريخ اسود وأطماع استعمارية في المنطقة.

وكذلك إنشاء قاعدة بيانات اقتصاد رقمي لدول المجلس، وصندوق استثماري لمساعدة الدول الفقيرة في الشرق الأوسط مثل سوريا ولبنان وفلسطين والصومال والسودان وأفغانستان، للنهوض بواقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي كشرط لقبول عضويتها في المجلس، الذي سيكون له ثقل إقليمي ودولي جدير باحترام الدول العُظمى، وله ايضاً دور فاعل في حل القضية الفلسطينية بسلام.

اما في حال لم ترغب بعض الدول بمغادرة دوامة العنف والواقع المؤلم الذي تعيشه شعوب الشرق الإسلامية، وأصرت على إدامة واستمرار الصراع والعداء السياسي والفكري غير المبرر فيما بينها، وسارت على نهج تحقيق الاطماع التاريخية غير المبررة قانوناً في التوسع على حساب جيرانها من دول المحيط الإقليمي، استناداً الى مفهوم القوي والضعيف، والكبير والصغير...

فإن النتيجة ستجلب بالتأكيد المزيد من الخراب والدمار والمآسي والتخلف لشعوب المنطقة في الشرق الأوسط، وستبقى الدول خاضعة وخانعة وعرضة للتدخلات والهيمنة الخارجية وأداة طيعة لتنفيذ أجنداتها، وستدفع الشعوب الاسلامية في الشرق الأوسط المغلوبة على أمرها، والتي ارتضت بالواقع المؤلم والمرير مستقبلاً لها ولأجيالها، ثمن تخبط وسوء تخطيط وإدارة انظمتها من سعادتها وتطورها العلمي ورقيها الثقافي والحضاري، في حين تحيى الشعوب الاخرى في بقاع الارض بسلام ورفاهية. 

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الاتي: مجلة معارج الفكر   

الجمعة، 3 فبراير 2023

نســـــــــاء حائـــــــــــرات

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي

بات الغرب على قناعة؛ بان هناك "خطأ مطبعي"Tippfehler" أو بالأحرى "خطأ ألرب" حدث حين تكوين الكرة الأرضية، إذ شاءت العناية الالهية بأن تكون الصناعة في الغرب والطاقة في شرق الكرة الأرضية، وكان الاجدر بأن يكون كلاهما في القارة الباردة، لأن المجتمعات الشرقية الغنية بالطاقة - الدول العربية - أضحت عاجزة وغير قادرة على استغلال تلك الطاقة بالشكل الأمثل، وحتى لو استطاعت، فانه لا يسمح لها ان تكون دول صناعية، رغم إنها أصبحت بلدان غنية بالمال حد التخمة بسبب امتلاكها لهذه الموارد، ومن هذا المنطلق عملت الدول الغربية على أن تكون دول الطاقة سوقاً استهلاكية رائجة لصناعتها على غرار الدائرة الاقتصادية المغلقة، مع عدم تمكين تلك الدول من الابتكار الصناعي، لوأد روح المنافسة في مهدها.

لذلك تم العمل على خلق الحروب والصراعات المستدامة في منطقة الشرق الاوسط، صاحبة الطاقة والمال، بهدف سلب الثروة وتعطل التنمية المستدامة، وكل بادرة او تنمية صناعية ناشئة في تلك البلدان، لتكون سوقاً غنية لتصريف بضاعتها الحربية والسلعية، فشاهد المرء، الى جانب الصراع العربي - "الاسرائيلي" المستمر، وتحوله الى صراع فلسطيني - "اسرائيلي"، كيف كانت الحرب العراقية - الايرانية مدمرة للاقتصاد والبشر، واستهلكت فيها ملايين الاطنان من الاسلحة الغربية على مدى ثمانية سنوات، تبعتها حرب الكويت وتدمير الآلة العسكرية العراقية، والتي انتهت بإحتلال أمريكا للعراق عام ٢٠٠٣ والقضاء على كل شيء مبتسم فيه، بعد تدمير بنيته التحتية الصناعية بالكامل، والتوجه غربا الى سوريا، لمحاربة ما يسمى "بمحور الشر"، وتدمير الصناعة الناشئة هناك، ولم تكن ليبيا الواقعة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط بمنأى عن آلة التدمير والفوضى، كذلك لم تسلم اليمن السعيد جنوبا من آلة الخراب والتقسيم، كما هو الحال مع السودان، وتجويع مصر، حيث تم اعادة العدد الاكبر من تلك البلدان الى الدائرة الصفرية، وجعل مجتمعاتها بدائية تعصف بها النزعات القبلية والتطرف الديني والمذهبي، والتخلف الفكري والثقافي، اضافة الى فتك الفقر، وانتشار الامراض والأوبئة، وفقدان الامن والأمان.

ولم يكتف الاعداء الغربيين المتربصين بمصائر الشعوب بهذا القدر من الدمار لدول الشرق، فقاموا بصناعة الجماعات الارهابية المتطرفة مثل "القاعدة" و"داعش" بإعترافهم، لتقوم بحروب داخلية بالنيابة، كانت اكثر فتكاً وتدميراً، الامر الذي ادى الى هجرة عدد كبير من سكان الشرق الاوسط الى اوربا، بحيث وصلت تلك الهجرة اوجها بعد عام ٢٠١٤ حين شنت الحرب بمباركة دولية ضد عصابات داعش الارهابية بقيادة امريكا بالتحالف مع دول الاتحاد الأوربي، حيث قدمت الاخيرة دعماً مالياً وعسكرياً ولوجستياً منقطع النظير لإدامة الحرب في بلدان الشرق الاوسط العربي، والتي ادت بالنتيجة الى هجرة جماعية للعوائل الامنة من سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان وافغانستان، وايران، وكذلك من دول أخرى في شمال افريقيا باتجاه القارة الباردة.

كان على دول الاتحاد الأوربي استيعاب، دون اعتراض، هذا الكم الهائل من اللاجئين الباحثين عن مأوى يتوفر فيه الامن والأمان والدعم المادي والمعنوي، الذي فقد في ليلة وضحاها بسبب الحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي خسرت دول الاتحاد الاوربي استثماراتها ونفوذها السياسي والاقتصادي في منطقة شرق البحر المتوسط، خاصة في دول الصراع العربية، بل ومنعت من الاستثمار فيها، في حين تمتلك تلك الدول العربية من الطاقة والموارد، لو تم استثمارها بشكل علمي، وعلى اساس المنفعة المتبادلة، من قبل دول الاتحاد الاوربي، لكانت منطقتي الشرق الاوسط واوربا من اغنى المناطق الاقتصادية في العالم.

لذلك باتت الدول الاوربية غير قادرة على عمل توازن بين مصالحها في الشرق الاوسط والانفاق الكبير على اللاجئين والمهاجرين، الذين اصبحت تغص بهم البلدان الاوربية، حيث صاحب ذلك ازمات اقتصادية وصحية بدات تعصف بقوة باقتصاديات العالم، خاصة اقتصاد دول الاتحاد الاوربي القائم على الاستثمارات والتجارة الخارجية، أي إنه يرتكز على المردود المالي للأسواق العالمية وإيرادات الضرائب التي تدفعها الشركات والمواطنين، في الوقت الذي تتنافس الشركات الامريكية والأوربية على الاستثمارات داخل القارة الباردة، بعد ان بدأت الشركات الامريكية تستحوذ على المشاريع الكبيرة في دول الاتحاد الاوربي، وتمنعها من القيام بتنفيذ مشاريع طاقة كبيرة لتوريد النفط والغاز من روسيا الى اوربا، التي يستهلك اغلب بلدانها ما يقارب 80% من الطاقة الروسية بسعر مخفض بنسبة ٣٠٪ عن سعر السوق العالمية، خاصة بعد ان تم انشاء خط انابيب نورد ستريم٢ العملاق تحت مياه بحر البلطيق، ليغذي دول المانيا والسويد والدنمارك والنرويج بالطاقة الروسية مخفضة الكلفة، والذي واجه معارضة كبيرة من قبل السفارة الامريكية في برلين، وطالبت الشركات الاوربية بايقاف تنفيذه في السنوات السابقة.

وجاء ذلك بسبب الموقف الامريكي الرافض للتقارب الروسي - الأوربي بخاصة الروسي - الألماني، الذي دق ناقوس الخطر لدى الادارة الامريكية بعد مد خط انابيب نورد ستريم٢، الذي بدأ يعمل قبل بدء الحرب في أوكرانيا، وكان على امريكا ان تتصرف لتوقف، وبشتى الوسائل والطرق، هذا التقارب السياسي والاقتصادي الخطير، الذي جعل دول الاتحاد الاوربي تتحدث، في الاونة الاخيرة، عن مكانة مرموقة لمصالحها الاقتصادية تجاه المصالح الامريكية، التي اخذت تغزو دول القارة الاوربية، وتهيمن على اقتصادياتها، في الوقت الذي يجب على دول الاتحاد رصد اموالا طائلة للاجئين الفارين من بلدانهم بسبب الحروب الامريكية في الشرق الاوسط، وصناعتها لعصابات (داعش) الارهابية، دون اعتراض اوربي يذكر.
عملت الادارة الامريكية على افشال التقارب الروسي- الاوربي، الذي كانت تقوده شخصيات سياسية اوربية معروفة من المانيا، والنمسا وايطاليا، ودول اوربية اخرى، وذلك حين بدات امريكا تتظاهر بالانسحاب من سوريا نهاية عام ٢٠١٨ باتجاه العراق، وفسح المجال للرئيس بوتين بملىء الفراغ هناك بحكم علاقته الوطيدة مع الرئيس السوري حافظ الاسد، حيث جاء القرار الامريكي بعد محادثات بشان تقسيم النفوذ في سوريا بين روسيا وامريكا وتركيا ونظام حافظ الاسد، وبذلك اوهمت الادارة الامريكية بوتين باعطائه نفوذاً اكبر في سوريا، خاصة فيما يتعلق بقاعدة طرطوس البحرية في سوريا والمناطق المجاورة لها على ساحل شرق البحر المتوسط، وتعهدت لروسيا بالابقاء على نظام حافظ الاسد.

لكنه في نفس الوقت كانت امريكا تقود تظاهرات في اوكرانيا لتغيير نظام الحكم الموالي الى روسيا من خلال سفارتها ومساعدة سفارات الدول الاوربية في العاصمة الاوكرانية كييف، وقد تحقق لها ذلك بعد ان قادت تظاهرات شعبية في الساحات بشكل علني بداعي القضاء على الفساد والفاسدين في اوكرانيا، وتم تغيير النظام والاتيان بالممثل الكوميدي زيلنسكي الموالي لامريكا ليكون رئيسا للبلاد، وبذلك اصبحت روسيا على المحك مع حلف الناتو، خاصة بعد ان بدات امريكا تعزز من تواجدها في اوكرانيا وتحثها على الدخول في حلف الناتو، إضافة الى اثارة موضوع المختبرات البيولوجية الامريكية في اوكرانيا وعمليات التجسس الامريكية هناك.

حينها استفاق الدب الروسي من حلم السيطرة والنفوذ في الشرق الاوسط، واخذ يعد العدة للدفاع عن حدود روسيا المتاخمة لدول حلف الناتو، لحمايتها من الخطر الغربي الذي لا يخلوا من الاطماع في مصادر الطاقة الرخيصة التي غزاها هتلر في الحرب العالمية الثانية، وبذلك رأت روسيا بانه لا سبيل لها سوى شن الحرب على اوكرانيا لافشال مشروع دخولها في حلف الناتو والاتحاد الاوربي، وابعاد امريكا قدر الامكان من القيام بنشاطاتها الاستخبارية والبيولوجية على الحدود الروسية، فشنت الحرب على اوكرانيا في شباط ٢٠٢٢ .

بدأت حرب الاستنزاف الروسية - الاوكرانية بمباركة ودعم امريكي علني ومباشر لاوكرانيا، وأمرت دول الاتحاد الاوربي بالوقوف الى جانب نظام الحكم في اوكرانيا ودعمه بحربه مع روسيا، واعتبار هذه الحرب تمثل تهديدا لدول الاتحاد الاوربي، وتهدف الى تفكيك حلف الناتو، فلبت دول الاتحاد الاوربي النداء الامريكي وبدأت تنخرط في الحرب ضد روسيا دون التفكير بمصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، كما انخرطت في حروب الشرق الاوسط الامريكية وتدفق الهجرة الى اوربا، واعلنت موقفها الرافض للحرب والداعم لاوكرانيا، وفرضت عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا بتوجيه أمريكي، وطرد بعض الدبلوماسيين الروس، رغم انها الخاسر الاكبر اقتصاديا في هذه الحرب لانها تستهلك القدر الاكبر من الطاقة الروسية، الامر الذي ادى الى ارتفاع حاد في اسعار الطاقة، وزيادة في نسبة التضخم، تعدت الـ ١١٪ في اكثر البلدان الاوربية، بعد ان تم تقليص امدادات الطاقة الروسية واغلاق خط انابيب نورد ستريم ٢، الذي تعرض كذلك للتخريب المقصود، وبذلك تدهورت العلاقات السياسية والاقتصادية الروسية - الاوربية حسب الارادة الامريكية، كما بقيت متلكئة في الشرق الاوسط

استطاعت الولايات المتحدة الامريكية، في نهاية المطاف، ان تحاصر دول الاتحاد الاوربي اقتصاديا من الشرق والغرب، فلا يسمح لها بالعمل والاستثمار في دول الشرق الاوسط، خاصة في الدول العربية الغنية بالموارد الاقتصادية والطاقة، باعتبارها مناطق نفوذ سياسي واقتصادي امريكي، ولا يسمح لها بالتحرك لايقاف الحرب في اوكرانيا، واعادة علاقاتها مع روسيا الفدرالية لمعالجة الازمة الاقتصادية والركود الاقتصادي والتضخم الذي تعاني منه كل دول الاتحاد الاوربي، التي باتت تعاني ايضا من مسألة الهجرة غير الشرعية المستمرة من اوكرانيا والبلدان الاخرى، في الوقت الذي تحاول عبثاً معالجة جبال الازمات من قممها وليس من قاعدتها، لانها تعرف جيداً بان الحل يكمن بيد الامريكان، وعليه اضحى حال دول الاتحاد الاوربي كحال "نساء حائرات" بين الزواج المبكر وتحمل الاعباء، وبين حياة العزوبية في اطار الحرية الشخصية، أي بين الهيمنة الامريكية منذ عقود مضت، واستقلالية القرار السياسي الاوربي الحر.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الاتي: مجلة معارج الفكر 

السبت، 24 سبتمبر 2022

الظلام المبتسم

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي  

في عالم مضطرب، يحكمه الاشرار، تتوالى الازمات بأنواعها المختلفة، وتشتعل فتائل الحروب المدمرة هنا وهناك، الخوف يداهم جدران البيوت، يهمس في الأذان بكل ضاحية وحي، الشعوب حائرة خائرة، تبحث عن الأمن والأمان والعيش الرغيد، كفسحة أمل مبعثرة أوراقها، حيث رسم لها الأشرار حياة يكتنفها موت بطىء في نهاية المطاف، الجميع يتمنى الخلاص، لكنه لا مناص من محال، ولا مجال للتمني، إذ يعرف هذا وذاك وتلك جيداً، انهم ذاهبون الى عتمة حالكة الظلام، أنه الظلام المبتسم للجميع، حيث لا يعرف احداً، ماذا تخبأ له اقدار العتمة السوداء وراء انيابها البيضاء ذات الإبتسامة الصفراء  ... 

شعوب تنتظر الموت، موتٌ أبطأ خطواته، يُشبه نفسه بالوباء تارةً، وتارةً أخرى بالغلاء والفقر والجوع والجفاف والفزع، اذ تبقى الأرواح البشرية البريئة حائرة في تحليقها خائرة، كما هي النوارسُ البيضاء الباحثة عن طعامها، تحوم في كل مكان جزعة، من الشر فزعة، ومن انعدام الأمان هرعة، لا يظلها ظلال، ولا تحميها سماء، ولا ينير حياتها شمس أو قمر، سوى عتمة حالكة لظلام مبتسم.

كل ذلك، يحدث أمام العيون الواجفة الراجفة، ليس بسبب خطر الاشرار، الذي بات يداهم مضاجع البشرية، وإنما بسبب اولائك الاخيار الذين يلتزمون البيوت، املاً بان يتغير الحال لصالحهم، وسط ظلام حالك مبتسم صنعه الاشرار، ليغطي كل أجزاء المعمورة وارفة الظلال.

وهنا، يصبح الأخيارُ أكثر خطراً على مستقبل شعوبهم، لأنهم بقوا صامتين في صومعتهم كصمت القبور الساكنة، يندبون حظهم على ما هم فيه من حال، إذ يعرفون ان لصمتهم ثمن، جعل الاشرار يضنون انهم على حق، وعليه أصبح الأخيار أكثر خطراً على شعوبهم من الأشرار، الذين باتوا يتحكمون بمفاصل الحياة، يسيرونها كيفما يشاءون، ليسرقوا ابتسامة الناس وسعادتهم، ليشبعوا نزعة الشر التي تعتريهم.

وتبقى حالة العالم في ترقب، تتارجح بين البقاء والبغاء، والفناء والفوضى، وسوء المصير، ينظر فيها الجميع الى مستقبل مظلم، يضنونه مبتسم، لكنه فاتح فيه ليلتهم الجميع، وبات الأمر هكذا حتى يقرر الأشرار مصير الأخيار، حينها يعضُ الجميع على النواجذ في وقتٍ لا ينفعُ فيه الندم.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الآتي: مجلة معارج الفكر 

 

الاثنين، 15 أغسطس 2022

أمريكا وقرابين الحرب العالمية الثالثة

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي

كانت الولايات المتحدة الامريكية وما تزال تقف وراء اشعال فتائل الحروب في العصر الحديث، لكنها تحرص دائماً على أن لا تكون تلك الحروب قريبة منها، لكي لا تكوى بنيرانها، محاولةً النأي بنفسها من المواجهة المباشرة مع خصومها الكبار، إذ تعمل على انهاك الخصم من خلال حلفائها الصغار، لتدخل بعد ذلك منتشيةً وتسيطر على زمام الأمور في نهاية المطاف.

وهذا ما رآه المحللون العسكريون في الحرب العالمية الثانية حين حرر الاتحاد السوفيتي السابق أوربا من الهيمنة النازية بقيادة هتلر، لكن الانتصار جير باسم أمريكا، وعليه فقد اكتسب الامريكان خبرة كبيرة في إدارة الحروب العالمية والتخطيط لإشعال فتيلها من خلال دول وأنظمة تابعة لها لتقديمها قرابين لإقامة الحروب العالمية، وطعماً للدول الخصم لتوريطها وإنهاكها في حرب استنزاف مستمرة.  

لذلك، حين شعر الامريكان بأن روسيا الاتحادية باتت قوية على الأرض، وباستطاعتها أن تعيد توازن القوى العالمية الهش بعد انتهاء الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي، سعت بكل جهدها الاستخباري والدبلوماسي لوأد التمدد الروسي في الغرب والشرق بقيادة رجل المخابرات فلاديمير بوتين، فبدأت تتفاوض مع روسيا على تقاسم النفوذ في شرق البحر المتوسط بهدف الهائها عن ما يجري من تغيير سياسي أمريكي - غربي في أوكرانيا.

وقد استطاع الغرب ان يُغير النظام السياسي الموالي لروسيا في أوكرانيا، والإتيان بنظام موالي لأمريكا وأوربا، وحالم بأفلام هوليود الامريكية كالممثل الكوميدي فولوديمير زيلينسكي، ليتم بذلك تهديد الامن القومي الروسي في اقرب نقطة من قبل المخابرات الغربية،  وحينها وضعت روسيا في موقف لا تحسد عليه في الدفاع عن امنها القومي المهدد من قبل حلف الناتو الأمريكي، وبات عليها ان تتجرع سم الحرب مع أوكرانيا لتبعد شبح التجسس الأمريكي - الغربي عن حدودها، في الوقت الذي تخلت نوعاً ما عن نفوذها في شرق البحر المتوسط الذي تظاهرت أمريكا بالانسحاب التكتيكي منه لإشعار روسيا بضعف أمريكا الكاذب.

وبناءً على ما تقدم، عملت الولايات المتحدة الامريكية على إشعال حرب الاستنزاف بين روسيا وأوكرانيا، لتكون أوكرانيا قرباناً قدمته أمريكا لحرب عالمية استنزافية ثالثة، أضحى الامريكان والبريطانيون مؤمنين بقيامها، بهدف اعادة ترتيب المفاهيم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية العالمية، بعد الازمات السياسية والاقتصادية والصحية، التي عصفت بالعالم في السنوات المنصرمة، وانعكست سلباً على الداخل الأمريكي، الذي يعاني حالياً من عودة العنصرية، والاحتراب الداخلي، وزيادة الاسعار والتضخم، الذي ينذر بتفكك أمريكا وانتهاء عهد امبراطورية الديمقراطية الكاذبة القائمة على سفك دماء ودمار الشعوب وتخريب البلدان، والأمثلة كثيرة

عليه فان الوضع العالمي بحاجة الى حرب عالمية ثالثة، حسب القناعات الأمريكية والبريطانية، لم يحدد نوعها لحد الآن، فيما اذا كانت تقليدية أم نووية، لكي يترجل الجميع للاستراحة بعد سجال طويل، شريطة ان تكون أمريكا المنتصر الوحيد فيها، وأوربا منهكة اقتصاديا وأكثر تبعية أمريكياً، في الوقت الذي يتم فيه تحجيم دور روسيا والصين عالمياً.   

بعد ان اخذت الحرب الروسية - الاوكرانية تأتي أُكُلَها، حسب المخطط الأمريكي، وذلك من خلال مؤشرات من أهمها؛  انخفاض سعر اليورو الى ما دون سعر صرف الدولار الأمريكي، وأصبح التضخم ينخر بجسد الاقتصاد الأوربي نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة بسبب فرض الحصار على روسيا، إذ تتوالى الازمات السياسية والاقتصادية بازدياد التبعية الاوربية غير المبررة منطقياً للتحالف الأمريكي البريطاني المتمثل بحلف الناتو، الحامي التقليدي لأمن القارة العجوز التي يفضل حكامها المصلحة الامريكية على مصالح ورفاهية شعوبهم، حين بدأت تعاني من ضنك العيش والفاقة بسبب العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوربي على روسيا دون مبرر أو أسباب تنذر بتهديد روسيا لدول الاتحاد الأوربي، الذي لا يمتلك من الموارد سوى التكنولوجيا التي تشاطره بها روسيا الاتحادية، والماء الصافي، والجبال المغطاة بالأشجار والأرض الخضراء.

وحال كون أوربا قارة تفتقر الى وجود المعادن الثمينة مثل النفط والغاز، فإنها ليست هدفاً للأطماع الروسية، ولذلك فإن من الأفضل للدول الاوربية ان تنظر الى مصلحتها الكامنة بعقد اتفاقيات سلام واقتصاد وتعاون مشترك مع روسيا كبديل للمقاطعة غير المبررة شعبياً.

ترى أمريكا كذلك، بأن روسيا بدأت تضعف اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً بسبب حرب الاستنزاف في أوكرانيا، وبذلك سوف لن يكنْ باستطاعتها في المستقبل أن تكون نداً لأمريكا، أو حليفاً قوياً للصين ضد أمريكا ومصالحها في العالم، في حال اندلعت الحرب العالمية الثالثة، والتي تم تقديم أوكرانيا وأوربا قرابين لها.  

من جهة أخرى، توصلت الولايات المتحدة الامريكية الى قناعة، بأن شروط انتصارها في الحرب العالمية الثالثة، وفرض هيمنتها المطلقة على العالم سياسياً واقتصادياً، يحتم عليها ادخال الصين في حرب استنزاف أيضاً حالها حال روسيا الاتحادية، ولذلك حرك الامريكان ادواتهم للدفع بهذا الاتجاه، وظهرت نواياهم للعلن في الزيارة الأخيرة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الى تايوان بتاريخ 2/8/2022، وإعلانها من هناك دعم أمريكا ووقوفها الى جنب تايوان ضد التهديدات الصينية، وبذلك قدحت الشرارة الأولى لحرب تلوح في الأفق بين الصين وتايوان، إذ أعقب ذلك مناورات عسكرية أجرتها الدولتان في المياه الأقليمية بعد هذا التصريح، وتهديات متبادلة بين الجانبين، تحضيراً لحرب استنزاف محتملة على غرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي اذا ما اشتعلت ستكون تايوان قرباناً آخر تقدمه أمريكا لإضعاف الصين، وإيقافها عن دعم روسيا، اذا ما اندلعت الحرب العالمية الثالثة، حيث يأتي هذا التصعيد متزامناً أيضاً مع زيارة وفد الكونغرس الأمريكي الى تايوان المُعلن عنها في 14/8/2022.

فهل يرتكب حكام تايوان حماقات الاصطدام مع الصين، وهل ترتكب الصين نفس الخطأ الذي ارتكبته جارتها روسيا الاتحادية، والذي يخدم في المحصلة النهائية عملية تنفيذ الاجندة الامريكية في الجزء الشرقي من الكرة الأرضية، كما فعل حكام أوكرانيا وأوربا؟   

إن هدف أمريكا السامي هو العمل على اضعاف خصومها اقتصادياً وعسكرياً، وتحجيم دورهم سياسياً، وعليه فإنها سوف لن تدخر جهداً لإشعال فتيل الحرب في تايوان، وستعمل على ذلك بكل ثقلها السياسي ولاستخباراتي والعسكري، وكما أَشعلت فتيل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لأنها إذا ما عملت خلافاً لهذا النهج، فإنها ستخسر الحرب العالمية الثالثة، وستكون قد آلت الى السقوط والتقسيم كنتيجة حتمية، وهذا ما لا تريد الوصول اليه وتعمل على تجنبه بأغلى الاثمان.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الآتي: مجلة معارج الفكر

 

السبت، 16 يوليو 2022

المثلية الجنسية الدولية

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي

أنجبت حركة التنوير الأوربية في القرنين السابع والثامن عشر الثورة الصناعية بشقيها الاشتراكي الشرقي والرأسمالي الغربي، الذي قاد الى ظهور نظام عالمي جديد سميَّ بـ"العولمة"، الذي يهدف الى عولمة النظم الاقتصادية الدولية والمحلية من اجل السيطرة على اقتصاديات الدول وحركة رأس المال العالمي من خلال البنك الفدرالي الأمريكي، تحت ذرائع وحجج واهية منها منع غسل الأموال وتمويل التنظيمات الإرهابية صنيعة الامبريالية الغربية و"الصهيونية" العالمية. 

ومن اجل تحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية لنظام العولمة الجديد، كان لابد من انهاء القيم الدينية للمعبد والكنيسة وإيجاد ثقافة عالمية ذات قواسم مشتركة عُرفت بثقافة التقنيات، أو ما تسمى الآن بـ"الثقافة التكنولوجية"، لرسم ملامح مجتمع العولمة الافتراضي الجديد الذي يقطن مواطنيه القرية الالكترونية الصغيرة، والذي يتم فيه تحييد، الى حد ما، الثقافات المحلية والمنتج الحضاري والثقافي لبعض الشعوب التي لم تستطع التوفيق بين الحداثة والأصالة في البناء الحضاري والثقافي، خاصة شعوب الشرق الأدنى العربية.

حيث يؤمن مجتمع العولمة ايماناً مطلقاً بالثقافة الالكترونية، ولا يُعير أية أهمية للأخلاق والمثل الإنسانية سليلة القيم الدينية والعادات والتقاليد والموروث الحضاري والشعبي للأمم، والذي من أبرز سماته التفكك الأسري، وخلق انسان مادي بلا عقيدة ولا روح، يؤمن بالحريات المفرطة، والتمرد على ذاته، بعد أن تم تشويه صورة العقائد والعادات والتقاليد والموروث الحضاري الإنساني لديه.

 لذلك أمست من أهم نتاجات العولمة في الالفية الثالثة "المثلية الجنسية الدولية" وعلاقتها بالحريات المفرطة، وحقوق الانسان الكاذبة، والتي بدأ الترويج لها دوليا في الآونة الأخيرة وبقوة من قبل البعثات الدبلوماسية الغربية، بعد أن وصل الى سدة الحكم كوكبة من المثليين، الذين ربطوا الديمقراطية والحرية الفردية بالمثلية الجنسية للرجل والمرأة، بهدف تسفيه المجتمعات وجعلها ساذجة بلا قيم وموروث حضاري، يمكن السيطرة عليها بسهولة وتوجيهها حيثما تشاء.

ومن اجل تعميق ثقافتها المقززة للأجساد من قبل الغرب، تم استحداث مناسبات للاحتفال بالمثلية الجنسية على مستوى الأنظمة السياسية للبلدان الأوربية، بحيث يتم العمل حالياً على تحويل ثقافة المثلية الجنسية من مرض يعاني منه بعض الأشخاص من ذكر وأنثى، بسبب تغيير هرموني يمكن معالجته طبياً، الى ثقافة وواقع حال اجتماعي، بعد ان بدأت الأنظمة الغربية تروج بقوة للمثلية الجنسية وترفع علناً رايتها المكونة من طيف جميع الألوان الى جانب راية الدولة في المؤسسات العامة، وعلى منصات حافلات النقل والقطارات، والترويج لتلك الثقافة في المدارس والكليات بين التلاميذ والطلبة والطالبات على مختلف أعمارهم بحجة إن المثلية الجنسية حالة طبيعية مسلم بها، وهنا تكمن الكارثة.

حيث يدعي انصار المثلية الجنسية بأنهم يسعون الى خلق عالم خالي من العنف الديني، والقومي، والمذهبي، بعيداً عن الحروب والأزمات، ولذلك جُعلت المثلية الجنسية قرينة للقيم الدينية التي تدعو الى الإرهاب والقتل والفوضى، حيث ازدهرت المثلية الجنسية دولياً على حساب التطرف الديني والمذهبي، وأضحت الاختيار الأفضل مقارنة بالدين والعقائد الأخرى، التي باتت تتراجع بخطى طويلة امام انتشار ثقافة المثلية الجنسية الدولية في العصر الحديث.

وعليه فقد وضع قادة العولمة الجدد الغربيين الانسان أما خيارين لا ثالث لهما، إما أن يكون من أنصار العقائد الدينية المتطرفة عدوة الإنسانية، أو أن يعتنق ثقافة المثلية الجنسية المتسامحة، التي يؤمن أنصارها بالحب المثلي والممارسة الجنسية للرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة، وبذلك تصبح ثقافة (قوم لوط) هي الأساس في البناء الحضاري للأمم، بعد أن يتم الانتهاء من العمل على تدويلها، وانحسار الدين، واضمحلال الاخلاق والقيم الاجتماعية في عقول الناس.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الآتي: مجلة معارج الفكر 

 

الخميس، 28 أبريل 2022

حديث في أروقة الأمم المتحدة

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي

بعد ان وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام ١٩١٨، أُعلن عن تأسيس منظمة عصبة الأمم عام ١٩١٩ بمــوجب معاهدة فرساي، بناءً على مقترح بريطاني وتبني أمريكي للفكرة، بهدف تعزيز التعاون الدولــي والعمل علــى تحقيق الأمـــن والسلم الدوليين، لكن هذه المنظمة لم تستطع كبح جماح الدول الاستعمارية والقوى الفاشية للحيلولة دون اندلاع الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩. 

الجدير بالذكر، ان ميثاق منظمة عصبة الأمم كان صارماً تجاه الدول الأعضاء بما فيهم الأعضاء المؤسسين لها، والدول العظمى، حيث كان بالإمكان فصل اية دولة عضو تقوم بعدوان غير مبرر ضد دولة أخرى بداعي عدم انصياعها لقرارات المنظمة وخرقها للميثاق، والذي يعد خرقاً للقانون الدولي وتهديدا للسلم والأمن الدوليين وسيادة الدول. وبذلك كان لعصبة الأمم أدوات ردع واضحة نوعاً ما تجاه الصراعات والحروب التي حدثت في الفترة ما بين ١٩٢٠-١٩٣٩.

حيث كان من ضمن جملة القرارات الإجرائية، التي اتخذتها عصبة الأمم، انها قامت بفصل الاتحاد السوفيتي السابق من العضوية عند اعتداءه غير المبرر على فنلندا في حرب الشتاء ١٩٣٩ بهدف تامين حدوده مع المانيا النازية، وفُرضت عقوبات اقتصادية صارمة على إيطاليا حين غزت الحبشة عام ١٩٣٥. وبعد انسحاب المانيا واسبانيا من المنظمة تحت ذريعة عدم تحقيقها للأمن الجماعي للدول الأعضاء، انسحبت بعدها امبراطورية اليابان بسبب صدور قرارات صارمة ضدها لاعتدائها على الصين.

وعليه فإن عدم تحقيق منظمة عصبة الأمم للسلم والأمن الدوليين، والحد من التسلح، جاء نتيجة لخرق ميثاقها من قبل الدول المؤسسة لها والدول العظمى، من ضمنها بريطانيا العظمى وأمريكا والاتحاد السوفيتي السابق. اما السبب الأعظم فكان عدم قدرة المنظمة على احتواء المانيا بعد فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها بموجب معاهدة فرساي التي عقدت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٨، حين تمت هزيمتها من قبل دول الحلفاء، والذي جعل المانيا تشعر بالغبن والإجحاف، الامر الذي ولد كراهية في نفوس الالمان تجاه شعوب وحكومات الدول الاوربية وبريطانيا وأمريكا والاتحاد السوفيتي السابق، الدول الأعضاء في عصبة الأمم آنذاك.

ونتيجة لفشل الدول الأعضاء في عصبة الأمم في تحقيق أهدافها الرامية الى أرساء السلام والأمن والحد من التسلح، كما أسلفنا، تم استبدالها بمنظمة الأمم المتحدة الحالية عام ١٩٤٦، التي أصبحت الوريث الوحيد للعقارات والأرشيف والوثائق.

لقد حرصت الدول العظمى على إعادة صياغة ميثاق منظمة عصبة الأمم ليكون ميثاقاً للأمم المتحدة حين ولادتها عام 1946، وبالشكل الذي أعطاها امتيازات كثيرة وكبيرة وحصانة في حرية الاعتداء على الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، وحق الوصاية على الدول، وحق الوصاية في اختيار الأمين العام للأمم المتحدة، واتخاذ القرارات الإجرائية الصارمة بموجب الفصل السابع تجاه الدول التي تكون خصماً للدول العظمى أو تكون قد الحقت ضرراً ما بمصالحها، وذلك في اطار عمل مجلس الامن الدولي التابع للأمم المتحدة، والممثل من قبل الدول العظمى الخمس دائمة العضوية والدول غير دائمة العضوية، في حال خرقت هذه الدولة او تلك ما يسمى بالميثاق.

ان عملية إعادة صياغة الميثاق، وتأسيس المجالس، من ضمنها مجلس الامن الدولي، وآلية انتخاب الأمين العام والتصويت على مشاريع القرارات، وحق استخدام النقض (الفيتو) من قبــل الدول العظمى، كانت تهدف الى تحقيق الغايات المتوخاة من وجود الأمم المتحدة لصالح الدول دائمة العضوية في مجلس الامن لتقاسم المغانم والنفوذ العالمي على حساب الدول الأخرى التي من السهولة كبح جماحها حين تخرق الأعراف والمواثيق الدولية، ومن هنا فُقدت العدالة والثقة بالأمم المتحدة من قبل الدول الأعضاء كمنظمة دولية رائدة أضحت غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها.

وعليه تبقى القرارات الإجرائية الصارمة للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي غير قابلة للتطبيق على الأعضاء الدائمين بسبب الحصانة والنفوذ التي يمتلكونها، وحتى لو طبقت فلم تكن بذلك التأثير القوي والصارم كما هو الحال تجاه الدول الأخرى، بدليل حين غزا العراق الكويت عام ١٩٩٠ لأسباب دبرت بليل اتخذ مجلس الامن الدولي بقيادة أمريكا كافة قرارات الردع الصارمة بحقه، من ضمنها الحصار الجائر لمدة (12) عاماً لإماتة المجتمع العراقي موتاً بطيئاً، بينما لم يحرك مجلس الامن الدولي ساكناً لردع العدوان الأمريكي على العراق، حين غزته أمريكا عام ٢٠٠٣ ودمرته تدميراً كاملاً، وأسكتت في ذات الوقت المنظمة الدولية عن جرائمها حين تمت تصفية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى العراق السيد (سيرجيو دي ميللو) في نفس عام الاحتلال 2003، نتيجة للتقرير الذي كشف فيه الوجه القبيح للسياسة الامريكية وانتهاكها لحقوق الإنسان، والذي أكد بالدليل القاطع بان الأمم المتحدة باتت لا تستطيع حماية نفسها فكيف تستطيع حماية حقوق الاخرين وأمنهم.    

ناهيك عن انتهاكات الولايات المتحدة، تحت ذرائع واهية، لسيادة الدول الأخرى في فيتنام وأفغانستان وسورية واليمن وغيرها، والتي ما تزال تحترق امام مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي تمثله الأمم المتحدة، وكما نشاهد اليوم أيضاً الحرب الروسية - الأوكرانية التي أضحت حرب استدامة واستنزاف لتدمير مقدرات البلدان الاقتصادية والبشرية، والتي ربما تفضي الى حرب نووية لتدمير العالم، حيث دبرت أسبابها بليل أيضاً من قبل دولة عظمى تريد ان تستحوذ على العالم دون رادع وبمساعدة الأمم المتحدة ودول القارة الباردة أسيرة القرار السياسي الأمريكي بشكل مباشر او غير مباشر.

لذلك فان الأمم المتحدة أضحت مهددة اليوم اكثر من ذي قبل بأن تحل نفسها في نهاية المطاف حالها حال عصبة الأمم لعجزها عن توفير الامن الجماعي للدول الأعضاء، ولأنها باتت مستغلة من قبل الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب مصالح وامن وسيادة الدول التي لا تمتلك السلاح النووي وملتزمة قدر الإمكان بالمواثيق والأعراف الدولية التي من شانها حفظ الامن والسلم الدوليين.

وبناءً على ما تقدم، فانه يمكن التكهن بان تقوم الأمم المتحدة بحل نفسها بعد ازمة أوكرانيا، ومن المحتمل أيضاً ان ينتج عنها تكتل غربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى، وتكتل شرقي بقيادة الصين وروسيا كبديل لسياسة الامر الواقع عن ما يسمي بالأمم المتحدة، وحينها تبدأ حرب باردة جديدة بين الكتلة الغربية والكتلة الشرقية، والذي سينتج عملة نقدية شرقية وعملــــة غربية، وسباق تسلح غربي- شرقي، ربما يفضي الى حرب عالمية بات العالم بأمس الحاجة اليها لتغيير واقع النظام اللاعالمي الحالي، او ان يذهب الجميع الى بناء منظومة تكامل اقتصادي عالمي بقيادة العقلاء من المعسكرين، وهذا الامر بعيد المنال.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الاتي: مجلة معارج الفكر

الأحد، 13 مارس 2022

ماهية الصراع بين "الإستثمار الأحمر" و"الإستثمار الأخضر"

بقلم:  الدكتور زاحم محمد الشهيلي

تؤكدُ الوقائع التاريخية للحروب، بدءاً من الحروب الصليبية في القرون الوسطى وانتهاءً بالحرب الروسية الأوكرانية، بان الغرب، حامل لواء المعسكر الرأسمالي، يسعى دائما الى استكشاف القارات والدول بهدف استعمارها، واستعباد وقتل شعوبها، وفرض الهيمنة المطلقة على مواردها الاقتصادية، وتحجيم دورها السياسي، والعمل على تخلفها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجعلها مرتعاً للأمراض والأوبئة، تعصف بها النعرات الطائفية والعرقية، ويفتك بها الإرهاب الدولي صنيعة الامبريالية العالمية، لتكون تابعة لها ومنقادة لأمرها.

وخير دليل على ذلك، الحروب التي خاضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا تحت مسميات مختلفة في الشرق الأوسط ومناطق النفوذ التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الامريكية حالياً، حيث تمارس سياسة "الاستعمار الأحمر" أي سياسة الأرض المحروقة، حين تحتلُ البلدان وتدعها تكوى بنار المشاكل والأزمات، بعد أن تتم مصادرة مقدراتها الاقتصادية، وقتل وتهجير مواردها البشرية، أو أن تعطيها هبة لمن تشاء كما حدث ويحدث مع دولة فلسطين المحتلة، أي انها "تهب ما لا تملك" على غرار استيلاء الاوربيين البيض على قارة أمريكا الشمالية بعد الفتك بسكانها الأصليين.

وعليه يمكن تصنيف، أو وصف تلك السياسة، وذلك الاستعمار الغربي بـ"الاستثمار الأحمر" - المصطلح الرديف "للاستعمار الأحمر" - والذي يمكن تعريفه على إنه استثمار وحيد الجانب قائم على الاستعمار، والتدمير، والعبودية، ومصادرة وتبذير الموارد الاقتصادية للدول ذات السيادة وجعلها متخلفة، لكي يمكن السيطرة عليها حين تكون تابعة لها ومتحكمة بقراراتها، تيمناً بالشعار القديم للمستعمر الإنجليزي "جوع كلبك يتبعك"، ودعه ينهش بلحمه حتى يموت.

والاستعمار الأحمر، او ما يسمى بـ"الاستثمار الأحمر"، قائم على ثلاث ركائز: الأولى سياسية، تهدف الى عدم تمكين ان تكون هناك كفة سياسية في شرق الكرة الأرضية راجحة على كفة الغرب، خاصة في منطقة الشرق الأوسط الإسلامي، قادرة على المساهمة في رسم السياسة العالمية. والثانية اقتصادية، تهدف الى خلق الأسواق العالمية لتصريف البضائع ذات المردود المالي الأكبر المتمثلة بترسانات الأسلحة التقليدية، وذلك من خلال العمل على إقامة واستدامة الصراعات والحروب الداخلية والإقليمية والدولية باستمرار. أما الركيزة الثالثة، فهي ثقافية- دينية، قائمة على النبوءات الدينية في التوراة والإنجيل، هدفها توفير أسباب الانتصار الديني في نهاية الدنيا.

لذلك لا يمكن للدول الواقعة تحت وطأة "الاستثمار الأحمر"، خاصة الدول العربية والإسلامية، ان تتحرر من هذه المفاهيم الاستعمارية الغربية الغريبة مهما كان ولاءها وكبرت تبعيتها.        

اما بالنسبة للمعسكر الشرقي، الذي تمثله الدول الاشتراكية الكبرى مثل الاتحاد السوفيتي السابق - الاتحاد الروسي حاليا -، والصين، والدول الآسيوية الصناعية واليابان، والتي يمتلك بعضها السلاح النووي، فإنه يسعى دائماً الى توسيع رقعة "الاستعمار الأخضر" في بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، لإيجاد فرص عمل واستثمارات في الدول ذات الاقتصاديات الناشئة، المسماة بالدول النامية ودول العالم الثالث، بهدف إعادة اعمار البنى التحتية لها، وتنفيذ المشاريع الاقتصادية الاستثمارية التي من شانها الارتقاء بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتلك البلدان على أساس المنفعة المتبادلة، والذي يسميه البعض بالاستعمار الاقتصادي.

حيث يمكن تصنيف، أو وصف هذه السياسية، وذلك الاستعمار بـ"الاستثمار الأخضر" - المصطلح الرديف لـ"الاستعمار الأخضر" - القائم على الثنائية الدولية والمصالح المشتركة، والذي يهدف الى إعادة الحياة للمجتمعات الفقيرة والنامية، والمجتمعات التي تمتلك الثروة لكنها لا تستطيع استغلالها بإمكانياتها المتاحة، لتمكينها على النهوض والارتقاء بين الشعوب والأمم على أساس احترام السيادة، والمصالح الاقتصادية المتبادلة، والاحترام المتبادل بين الدول وشعوبها.

وهذا النهج لا يتفق في طبيعة الحال مع اهداف وتوجهات "الاستعمار الأحمر" الغربي، وأضحى مرفوضاً من قبل دول "الاستثمار الأحمر" لأنه لا يتناسب مع نهجها العدواني في استعباد الشعوب ونهب ثرواتها.

فحين يتعدى "الاستثمار الأخضر" الشرقي الخطوط الحمراء لحدود "الاستثمار الأحمر" الغربي، او العكس بالعكس، تبدأ الحرب الكونية الباردة بين المعسكرين- المعسكر الرأسمالي الغربي المائل قليلاً الى الاشتراكية، والمعسكر الاشتراكي الشرقي المائل قليلاً الى الرأسمالية -، حيث تحاول القوى المتغطرسة دائماً ملئ الفراغ من خلال احتلال البلدان المجاورة لـدول "الاستثمار الأخضر" بالقوة، أو محاولة إدخالها على هامش تحالفات هشة لتكون طعم أو فريسة لدولة قوية تمتلك ترسانة نووية كبيرة تحاول ابعاد نفوذ الدول الكبرى من حدودها لتجنب عمليات التجسس والعدوان المتوقعة مستقبلاً، والتي من شأنها تقليص مساحات "الاستثمار الأخضر" الذي تهدف اليه هذه الدولة او تلك مثل الصين وروسيا، وكما يحدث حاليا في الحرب بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، التي تعد نتاج للصراع بين دول "الاستثمار الأحمر" ودول "الاستثمار الأخضر" الذي يهدد في طبيعة الحال والنهج والثقافة السياسية والاقتصادية والدينية المصالح الغربية منذ قرون مضت.

لذلك فان الدول التي تقع ضمن حدود "الاستثمار الأحمر"، والتي من ضمنها الدول العربية واغلب الدول الإسلامية، أصبحت اليوم تقف على مفترق طرق لتحديد مسارها في ظل تداعيات الازمات الاقتصادية والحروب المؤلمة، فإما ان تبقى تحت نير الاحتلال والاستغلال والتبعية ومصادرة السيادة والإرادة معاً من خلال "الاستثمار الأحمر" الغربي، أو أن تتخذ اتجاهاً آخر يضمن لها كرامتها وسيادتها المسلوبة، ويعيد بناء جسدها السياسي والاقتصادي والاجتماعي الممزق في اطار نهج الدول الكبرى ذات "الاستثمار الأخضر".

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الاتي:مجلة معارج الفكر