الاثنين، 26 أبريل 2021

من وحي الاساطير "مملكة الجحيم"

بقلم:  الدكتور زاحم محمد الشهيلي

يحتفظ ارشيف الاساطير القديمة بالكثير من القصص والحكايات، التي تتحدث عن وجود حياة، ومجتمعات متطورة على كوكب الارض قبل بدء الخليقة، والتي تحمل في طياتها "الحقيقة الغائبة"، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار عمر كوكب الارض الذي يبلغ اكثر من (٤٥٠) مليار سنة، حسب الابحاث العلمية لعدد من الجيولوجيين، وعلماء الآثار، الذين تم اتهام بعضهم بالجنون، لتضارب معلوماتهم وقناعاتهم مع ما تحياه المجتمعات الانسانية ومراحل تطورها منذ بدء التاريخ الى يومنا هذا.

حيث تحكي احدى الاساطير عن وجود مملكة في زمن ما قبل الخليقة، تسمى "مملكة النعيم"، والتي قامت على ركام مماليك سبقتها بآلاف السنين، وكانت قمة في التطور والحداثة، لكن موقعها الجيوسياسي الإستراتيجي، وغناها بالموارد الاقتصادية والبشرية الضخمة، ونهضتها العلمية في جميع المجالات، جعلتها، على مر تاريخها الموغل بالقدم، عرضة للأطماع والغزوات الاجنبية من قبل دول محيطها الاقليمي والدولي، الامر الذي عطل نوعا ما التنمية الاقتصادية والبشرية فيها، حين اتجهت المملكة الى عسكرة المجتمع لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية، وخاضت حروبا متتالية، بعد ان كثر اعدائها، حين باتت عصية على جميع الطامعين الإقليميين والدوليين. والذي زاد الامر سوءً وتعقيداً حصول انشقاقات في صفوف مكوناتها، وأصبحت هدفا ولقمة سائغة للدول الغازية، من ضمنها "الامبراطورية الكونية"، التي كانت تتحكم عن بعد بمصير الشعوب على الارض.

وحين رفعت "الامبراطورية الكونية" شعار "الحرب الاستباقية" على كوكب الارض، تقول الاسطورة، واستطاعت ان تحتل "مملكة النعيم"، التي كانت تزخر بالخيرات والخبرات، وتتميز بتاريخها العريق، الغني بالمعرفة، وبموقعها الجيوسياسي المتميز، الواقع في قلب الارض، والمؤدي الى جميع القارات في العالم، قام حاكم المملكة الكونية، الذي كان يتصف بالشر والمجون، بتنصب اعوانه وتابعيه قادة لـ"مملكة النعيم"، ياتمرون بأمره، وينفذون ما يطلب منهم بحرفية عالية، بهدف تدمير تلك المملكة الصغيرة، وابادة شعبها المتآخي منذ سنين طويلة، ونهب خيراتها الكثيرة، لكي لا يصلح حال أهلها أبداً، ولا تعود مؤثرة في محيطها الاقليمي والدولي.

حيث اتبع ملك البغاء والشر واتباعه، تضيف الاسطورة، سياسة "فرق تسد" بين ابناء المجتمع الواحد، لكي يسيطروا على اطيافه المنصهرة في بودقة واحدة منذ سنين، ويحولوه من مجتمع منتج ذاتيا الى مجتمع مستهلك خارجيا ومؤدلج فكرياً، منهك القوى، بائس نفسيا، فاقدا للارادة الوطنية والانسانية، منقسم على ذاته، تحكمه مجاميع من اللصوص والمجرمين، التي انتهكت هيبة المملكة، بحيث فُقد الامن والأمان في تلك الارض الطيبة، في ذلك الزمان الأغبر، واخذ القادة ينهبون قوت الشعب، ويهبون ما لا يملكون، واضحى ابناء المجتمع الواحد بين قتيل ومفقود ومهجر في العراء، لا يجد قوت يومه، فمنهم من هاجر، ومنهم من كان يستعد للهجرة، ومنهم من كان يطلب القوت فما يجد فيموت.

وتستطرد الاسطورة؛ ونتيجة للفساد والارهاب، والظلم، والطغيان، والقمع، تغير كل شيء جميل في تلك المملكة، اهلها، ارضها، ماءها، سماؤها، وتغيير اسمها ايضا، فأمست تنادى بـ"مملكة الجحيم" بدلا من "مملكة النعيم" نسبة للوضع المأساوي والمزري الذي كانت تعيشه.

وحين بدأت المصالح الشخصية لحكام "المملكة الكونية" تتضارب مع بعضها، تؤكد الاسطورة، وتاثرت معها مصالح قادة "مملكة الجحيم"، اخذ كل واحد منهم يكشف جرائم الأخر، التي كانت ترتكب بحق ذلك الشعب الطيب، الذي يتصف بالكرم والكرامة وسمو الاخلاق، والذي كان يوما ما ينعم بنوع من الامن والامان والاستقرار، فتم فضح من اسس للفساد، وأوجد الارهاب وموله، ومن زور الحقائق، ومارس الظلم والطغيان، وباع الارض والعرض من قادة المملكة الكونية وقادة "مملكة الجحيم".

لكن هذه الأصوات، تقول الاسطورة، وان كانت صادقة وذات مقاصد شخصية، لم تجد آذان صاغية لفضح مخططات "المملكة الكونية" وأعمالها الارهابية في تدمير تلك البلدة الجميلة، وسلب مواردها وقتل شعبها ذات الاطياف المتجانسة يوما ما، في الوقت الذي كان العالم باسره صامت "كصمت القبور" تجاه الجرائم والإبادة الجماعية التي أرتُكبت، وتُرتكب يوميا بحق الأبرياء امام مرأى ومسمع الجميع، حتى شاء الله ان يُفني الكون ويأتي بخلق جديد، لتبدأ حكاية جديدة من اساطير "مملكة الجحيم". 

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الاتي: مجلة معارج الفكر

ليست هناك تعليقات: