الاثنين، 15 أغسطس 2022

أمريكا وقرابين الحرب العالمية الثالثة

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي

كانت الولايات المتحدة الامريكية وما تزال تقف وراء اشعال فتائل الحروب في العصر الحديث، لكنها تحرص دائماً على أن لا تكون تلك الحروب قريبة منها، لكي لا تكوى بنيرانها، محاولةً النأي بنفسها من المواجهة المباشرة مع خصومها الكبار، إذ تعمل على انهاك الخصم من خلال حلفائها الصغار، لتدخل بعد ذلك منتشيةً وتسيطر على زمام الأمور في نهاية المطاف.

وهذا ما رآه المحللون العسكريون في الحرب العالمية الثانية حين حرر الاتحاد السوفيتي السابق أوربا من الهيمنة النازية بقيادة هتلر، لكن الانتصار جير باسم أمريكا، وعليه فقد اكتسب الامريكان خبرة كبيرة في إدارة الحروب العالمية والتخطيط لإشعال فتيلها من خلال دول وأنظمة تابعة لها لتقديمها قرابين لإقامة الحروب العالمية، وطعماً للدول الخصم لتوريطها وإنهاكها في حرب استنزاف مستمرة.  

لذلك، حين شعر الامريكان بأن روسيا الاتحادية باتت قوية على الأرض، وباستطاعتها أن تعيد توازن القوى العالمية الهش بعد انتهاء الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي، سعت بكل جهدها الاستخباري والدبلوماسي لوأد التمدد الروسي في الغرب والشرق بقيادة رجل المخابرات فلاديمير بوتين، فبدأت تتفاوض مع روسيا على تقاسم النفوذ في شرق البحر المتوسط بهدف الهائها عن ما يجري من تغيير سياسي أمريكي - غربي في أوكرانيا.

وقد استطاع الغرب ان يُغير النظام السياسي الموالي لروسيا في أوكرانيا، والإتيان بنظام موالي لأمريكا وأوربا، وحالم بأفلام هوليود الامريكية كالممثل الكوميدي فولوديمير زيلينسكي، ليتم بذلك تهديد الامن القومي الروسي في اقرب نقطة من قبل المخابرات الغربية،  وحينها وضعت روسيا في موقف لا تحسد عليه في الدفاع عن امنها القومي المهدد من قبل حلف الناتو الأمريكي، وبات عليها ان تتجرع سم الحرب مع أوكرانيا لتبعد شبح التجسس الأمريكي - الغربي عن حدودها، في الوقت الذي تخلت نوعاً ما عن نفوذها في شرق البحر المتوسط الذي تظاهرت أمريكا بالانسحاب التكتيكي منه لإشعار روسيا بضعف أمريكا الكاذب.

وبناءً على ما تقدم، عملت الولايات المتحدة الامريكية على إشعال حرب الاستنزاف بين روسيا وأوكرانيا، لتكون أوكرانيا قرباناً قدمته أمريكا لحرب عالمية استنزافية ثالثة، أضحى الامريكان والبريطانيون مؤمنين بقيامها، بهدف اعادة ترتيب المفاهيم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية العالمية، بعد الازمات السياسية والاقتصادية والصحية، التي عصفت بالعالم في السنوات المنصرمة، وانعكست سلباً على الداخل الأمريكي، الذي يعاني حالياً من عودة العنصرية، والاحتراب الداخلي، وزيادة الاسعار والتضخم، الذي ينذر بتفكك أمريكا وانتهاء عهد امبراطورية الديمقراطية الكاذبة القائمة على سفك دماء ودمار الشعوب وتخريب البلدان، والأمثلة كثيرة

عليه فان الوضع العالمي بحاجة الى حرب عالمية ثالثة، حسب القناعات الأمريكية والبريطانية، لم يحدد نوعها لحد الآن، فيما اذا كانت تقليدية أم نووية، لكي يترجل الجميع للاستراحة بعد سجال طويل، شريطة ان تكون أمريكا المنتصر الوحيد فيها، وأوربا منهكة اقتصاديا وأكثر تبعية أمريكياً، في الوقت الذي يتم فيه تحجيم دور روسيا والصين عالمياً.   

بعد ان اخذت الحرب الروسية - الاوكرانية تأتي أُكُلَها، حسب المخطط الأمريكي، وذلك من خلال مؤشرات من أهمها؛  انخفاض سعر اليورو الى ما دون سعر صرف الدولار الأمريكي، وأصبح التضخم ينخر بجسد الاقتصاد الأوربي نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة بسبب فرض الحصار على روسيا، إذ تتوالى الازمات السياسية والاقتصادية بازدياد التبعية الاوربية غير المبررة منطقياً للتحالف الأمريكي البريطاني المتمثل بحلف الناتو، الحامي التقليدي لأمن القارة العجوز التي يفضل حكامها المصلحة الامريكية على مصالح ورفاهية شعوبهم، حين بدأت تعاني من ضنك العيش والفاقة بسبب العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوربي على روسيا دون مبرر أو أسباب تنذر بتهديد روسيا لدول الاتحاد الأوربي، الذي لا يمتلك من الموارد سوى التكنولوجيا التي تشاطره بها روسيا الاتحادية، والماء الصافي، والجبال المغطاة بالأشجار والأرض الخضراء.

وحال كون أوربا قارة تفتقر الى وجود المعادن الثمينة مثل النفط والغاز، فإنها ليست هدفاً للأطماع الروسية، ولذلك فإن من الأفضل للدول الاوربية ان تنظر الى مصلحتها الكامنة بعقد اتفاقيات سلام واقتصاد وتعاون مشترك مع روسيا كبديل للمقاطعة غير المبررة شعبياً.

ترى أمريكا كذلك، بأن روسيا بدأت تضعف اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً بسبب حرب الاستنزاف في أوكرانيا، وبذلك سوف لن يكنْ باستطاعتها في المستقبل أن تكون نداً لأمريكا، أو حليفاً قوياً للصين ضد أمريكا ومصالحها في العالم، في حال اندلعت الحرب العالمية الثالثة، والتي تم تقديم أوكرانيا وأوربا قرابين لها.  

من جهة أخرى، توصلت الولايات المتحدة الامريكية الى قناعة، بأن شروط انتصارها في الحرب العالمية الثالثة، وفرض هيمنتها المطلقة على العالم سياسياً واقتصادياً، يحتم عليها ادخال الصين في حرب استنزاف أيضاً حالها حال روسيا الاتحادية، ولذلك حرك الامريكان ادواتهم للدفع بهذا الاتجاه، وظهرت نواياهم للعلن في الزيارة الأخيرة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الى تايوان بتاريخ 2/8/2022، وإعلانها من هناك دعم أمريكا ووقوفها الى جنب تايوان ضد التهديدات الصينية، وبذلك قدحت الشرارة الأولى لحرب تلوح في الأفق بين الصين وتايوان، إذ أعقب ذلك مناورات عسكرية أجرتها الدولتان في المياه الأقليمية بعد هذا التصريح، وتهديات متبادلة بين الجانبين، تحضيراً لحرب استنزاف محتملة على غرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي اذا ما اشتعلت ستكون تايوان قرباناً آخر تقدمه أمريكا لإضعاف الصين، وإيقافها عن دعم روسيا، اذا ما اندلعت الحرب العالمية الثالثة، حيث يأتي هذا التصعيد متزامناً أيضاً مع زيارة وفد الكونغرس الأمريكي الى تايوان المُعلن عنها في 14/8/2022.

فهل يرتكب حكام تايوان حماقات الاصطدام مع الصين، وهل ترتكب الصين نفس الخطأ الذي ارتكبته جارتها روسيا الاتحادية، والذي يخدم في المحصلة النهائية عملية تنفيذ الاجندة الامريكية في الجزء الشرقي من الكرة الأرضية، كما فعل حكام أوكرانيا وأوربا؟   

إن هدف أمريكا السامي هو العمل على اضعاف خصومها اقتصادياً وعسكرياً، وتحجيم دورهم سياسياً، وعليه فإنها سوف لن تدخر جهداً لإشعال فتيل الحرب في تايوان، وستعمل على ذلك بكل ثقلها السياسي ولاستخباراتي والعسكري، وكما أَشعلت فتيل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لأنها إذا ما عملت خلافاً لهذا النهج، فإنها ستخسر الحرب العالمية الثالثة، وستكون قد آلت الى السقوط والتقسيم كنتيجة حتمية، وهذا ما لا تريد الوصول اليه وتعمل على تجنبه بأغلى الاثمان.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الآتي: مجلة معارج الفكر

 

ليست هناك تعليقات: