السبت، 6 مايو 2023

التقارب السياسي في الشرق الاوسط من وجهة نظر أمريكية

بقلم: الدكتور زاحم محمد الشهيلي

ترتبط اكثر دول الشرق الاوسط العربية والإسلامية، من ضمنها تركيا، بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وان اهم ما يميز هذه العلاقات، ويجعلها محط اهتمام الجميع، انها قائمة على العدائية، والابتزاز، ولي الأذرع، ناهيك عن انعدام الثقة بين كافة الاطراف تارةً، وتحقيق المصالح الاسرائيلية فيما يتعلق بالتطبيع وإضعاف دول المنطقة بإذكاء الصراع العربي - الاسرائيلي، والغربي - الشرقي تارةً أخرى، إذ لم يكن لمصالح أمريكا والشعب الامريكي والأوربي مكاناً في المعادلة السياسية والاقتصادية الغربية في البلدان العربية والإسلامية في تلك المنطقة.

المشكلة، ان الامريكان وحلفاءهم الغربيين يعملون دائما على إدامة الصراعات في المنطقة، وهم من يضع الحلول لتهدئتها أو تازيمها وإدامتها، لكي تبقى تلك الرقعة الجغرافية بمثابة برميل بارود يمكن ان يقدح في اي زمان ومكان ليحرق ما حوله، وخير دليل على ذلك الحرب في اليمن، والعراق، وسوريا، وليبيا، وما الفته الشعوب العربية والإسلامية من ثورات الربيع في مصر، وتونس، والسودان بعد تقسيمها وما تمر به الان من مخاض عسير، وايران، وافغانستان، الى جانب حركات التمرد والحروب الطائفية والعرقية، وصناعة القاعدة وداعش الارهابية والدعم المؤسساتي لها من قبل اجهزة المخابرات الغربية بالتنسيق والتعاون مع بعض الانظمة الفاعلة في الشرق الأوسط، التي تبنت وتتبنى دائماً الاجندات الأمريكية، لكي تجد لها مكاناً ورصيداً سياسياً في الساحة الدولية، تحت شعار "الذي ليس معنا فهو ضدنا".

ان النهج السياسي الامريكي المفضوح في منطقة الشرق الاوسط لم ياتِ أوكله بالمعنى العام، بعد نشوب الحرب بالوكالة في أوكرانيا، بهدف استنزاف القدرات الاقتصادية والعسكرية لروسيا وإبعادها عن المعسكر الغربي بقيادة أمريكا، والشرقي بقيادة الصين، إذ انها، أي امريكا، اصبحت ملامة من قبل الانظمة الاوربية على مشاكلها المستمرة في العالم، خاصة في الشرق الاوسط، وبدء الحديث عن ضرورة العمل على انهاء تلك المشاكل او تجميدها الى حين، لكي يتم التفرغ للمواجهة الاكبر مع روسيا والصين.

لذلك أمسى على الولايات المتحدة التحرك لغلق بعض جبهاتها في الشرق الاوسط من خلال اطلاق العنان لدول الخليج العربي بقيادة السعودية والامارات، وكذلك العراق والاردن، ومصر وتركيا، لتلعب دوراً في تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة من ضمنها ايران، بهدف وضعها تحت مظلة تحكم امريكية واحدة، شريطة أن تتم المحافظة على الامن القومي الإسرائيلي، وان يستمر مسلسل التطبيع، مقابل ان يكون هناك صلح وتعاون أمني وتنمية اقتصادية في دول الشرق الاوسط بقيادة السعودية، التي أخذت تتحدث بملء الفم عن عالم شرق أوسطي يضاهي في تطوره العالم الغربي في المستقبل أو يزيد، بعد أن تختفي كل مظاهر الصراع والعدائية بين تلك البلدان، ويحل محلها السلام، والتعاون، والتنمية الاقتصادية، والعمل على ايجاد حل لموضوع البرنامج النووي الايراني مرضي لجميع الاطراف، بضمنها "الكيان الإسرائيلي"، مقابل الحصول على وعود بامتلاك السعودية والإمارات وبعض دول المنطقة على الطاقة النووية للأغراض السلمية وبإشراف أُممي.

وبذلك تكون الولايات المتحدة الامريكية قد أمنت الجبهة الجنوبية مع روسيا، وحجمت الى حد ما الاستثمار الاخضر الصيني في منطقة الشرق الاوسط، بعد أن يتم فتح جبهة الحرب بالوكالة معها بمساعدة السلطة السياسية في تايوان، وكما يحدث الآن بين روسيا وأوكرانيا، وبهذه الطريقة ممكن ان يتم تجميد المشاكل الامريكية في الشرق الاوسط الى حين العودة، وإفشال الجهود الاقتصادية الصينية في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بمشروع "الحزام والطريق" وقنواته الجافة والرطبة، وكل ما يتعلق بالعلاقات الاستراتيجية لدول الشرق الاوسط العربية والاسلامية مع الصين وروسيا.

وبناء على ما تقدم، يمكن ملاحظة الحركة المكوكية لكبار المسؤولين الامريكان وأعضاء الكونغرس الامريكي الى السعودية في الاونة الاخيرة للقاء الامير محمد بن سلمان، تزامناً مع اجتماعات جدة لكبار مسؤولي الدول العربية الفاعلة في المشهد السياسي في نيسان ٢٠٢٣، في الوقت الذي تلوح في الافق بوادر الحل السياسي لازمة اليمن، وعودة العلاقات بين السعودية وايران، وبدء التقارب التركي - المصري، والتقارب السعودي - السوري - الخليجي - العربي، الذي سيمهد الطريق لعودة سوريا الى الحاضنة العربية، بهدف ابعادها عن النفوذ الروسي.

لذلك بات على دول الشرق الاوسط العربية والإسلامية العمل بجدية، وكما اشرنا في مقال سابق، على توظيف الازمة بين الغرب والشرق لبلورة كيان سياسي واقتصادي وأمني شرق اوسطي له شخصية وثقل دولي، بعيداً عن التناحر والعدائية غير المبررة، والفكر المنحرف، متخذين من مصالح الشعوب العربية والاسلامية شعاراً للصلح والأخاء والرخاء، والمحبة والبناء، والتنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة، مستغلين الظرف الدولي الراهن الذي تمر به قوى الشر، والذي ربما لا يتكرر في المستقبل.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الآتي: مجلة معارج الفكر

ليست هناك تعليقات: