الجمعة، 8 يناير 2021

الديمقراطية الامريكية وبداية النهاية

بقلم:  الدكتور زاحم محمد الشهيلي

تعد الديمقراطية الامريكية، الى وقت قريب، من ارقى الديمقراطيات في العالم، وان مجرد التشكيك بنزاهتها يؤشر لدى المتابعين والمختصين بالشأن السياسي حصول خلل في العملية الديمقراطية، ينذر بوقوع كارثة في المستقبل. حيث يعتبر الاوربيون النظام الديمقراطي الامريكي المثل الاعلى لهم، وان امريكا بالنسبة لهم بلد الحريات والنظام السياسي المنسجم، لكنهم نسوا ان هذه الديمقراطية وتلك الحريات أسست منذ فجر ولادتها على برميل بارود قابل للانفجار في اية لحظة، وتناسوا ايضا بان المجتمع الامريكي عبارة عن مجتمع هجين، يتكون في الاغلب من المهاجرين، الذين ينحدرون من اصول وقوميات وعرقيات وديانات مختلفة، تحكمهم المصالح، استوطنوا في هذه الأرض، التي سميت امريكا فيما بعد، بعد ان قضوا على سكانها الاصليين.

ان الملاحظ لأحداث ٦ يناير ٢٠٢١، التي انتهت باقتحام انصار الرئيس (ترمب) لمبنى الكونغرس الامريكي وتحطيم نوافذه، وتهديدهم لأعضاء مجلس الشيوخ والنواب بالقتل، الامر الذي دعاهم للاختباء في القبو بعد رفع جلسة التصديق وإقرار الفائز في انتخابات الرئاسية الامريكية لعام ٢٠٢٠، يؤكد بالدليل القاطع تعرض النظام الديمقراطي الامريكي الى هجوم سيبرآني بفيروس كورونا المستجد عطل نظامه الالكتروني، ويؤكد بما لا يقبل الشك، بان كرسي السلطة يبقى عقيماً، ومن الصعب التنازل عنه ومغادرته من قبل الطغاة، حتى في البلدان ذات الديمقراطيات الاكثر عراقة مثل أمريكا، وانه لا فرق بين تفكير القادة والشعوب وتصرفاتهما في جميع انحاء الكرة الارضية إلا ما ندر.

وبناء على ما تقدم، فإن الذي رأيناه في دول الشرق الاوسط من فوضى وسلب ونهب وقتل، لا يختلف كثيرا عما يراه المرء اليوم في امريكا، أم الديمقراطيات والحريات كما يقال عنها، وهذا يعد في نظر المراقبين دليلاً مادياً على ان الشعوب، مهما بلغت من الرقي الاجتماعي والثقافي، تبقى اسيرة لتاريخها وتوجهاتها الفكرية والدينية والسياسية والحزبية الضيقة، وتبقى منقادة "بإرادتها" من قبل الانتهازيين الذين استحوذوا على عقول الناس وقلوبهم، وكانهم سيذهبون بهم الى جنات الفردوس في نهاية المطاف، متناسين المصلحة الوطنية التي يجب ان تكون فوق كل المصالح وحب الذات والانا.

ان الذي يقوم به الشعب الامريكي اليوم، امام انظار العالم، من تصرف غريب في إيذاء نفسه ووطنه من اجل شخصية مصابة بجنون العظمة والتهور، والتي يجب محاسبتها بتهمة التحريض على الارهاب والعنف، هذه الصفات التي كانت تعاب على غير الامريكيين من قبل الامريكيين انفسهم، كان اكثر بكثير مما قامت به بعض الشعوب الفقيرة في ولاءاتها الفكرية والسياسية، وهذا ما يعاب على الشعب الامريكي الذي اعيته غطرسة الحكام، وأججت في داخله نزعة التمرد والعنجهية والعنف كمحصلة نهائية لافرازات الحروب التي قادتها امريكا في الخارج، بدءا من الحرب العالمية الاولى مرورا بالحرب العالمية الثانية وصولا الى حرب العراق، الامر الذي جعل الشعب الامريكي يعود الى حقيقته المرة المتمثلة بماضي أمريكا المؤلم القائم على التخريب والدمار والقتل والتشريد، بهدف ان يعتلي سدة حكم البيت الابيض اناس ليس في قلوبهم رحمة تجاه الشعوب المنكوبة، بعد ان وضعوا مصلحتهم فوق مصلحة شعبهم والشعوب الاخرى.

ان ما افرزته احداث ٦ يناير ٢٠٢١ في العاصمة الامريكية واشنطن، ربما سيكون الشرارة الاولى التي ستحرق بيت العنكبوت، فالذي نراه اليوم من تهور شعبي وإرهاب منظم تجاه المؤسسات التشريعية والدستورية الامريكية، وتحطيم ابنيتها بتوجيه من راس السلطة الحاكمة، بهدف ابقاء الرئيس (ترمب) الخاسر في الانتخابات قسرا على راس الادارة الامريكية في البيت الابيض بحجة التلاعب في اصوات الناخبين، ينذر بصدام دامي قد يقع في أية لحظة، يمهد لنهاية عهد الديمقراطية في الولايات المتحدة الامريكية، وبدء عهد جديد ربما سيفضي الى تقسيم أمريكا لدويلات متناحرة فيما بينها، والذي سيمهد الطريق امام التنين الصيني بالظهور والتقدم لملء الفراغ في مناطق النفوذ الامريكي الحيوية في العالم. 

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الاتي: مجلة معارج الفكر   


ليست هناك تعليقات: