الثلاثاء، 26 يناير 2021

تداعيات احياء مشاريع اوباما- بايدن في الشرق الاوسط

 

بقلم:  الدكتور زاحم محمد الشهيلي

يقول المثل الشائع: "خذ الحكمة من افواه المجانين"، فكيف الحال اذا اخذنا الحكمة من فم الرئيس الامريكي (دونالد ترمب) الذي يستقي معلوماته من تقارير اكبر وأوسع وكالة مخابرات في العالم الـ (CIA)، ويحمل الحقيبة النووية الأمريكية، التي لا يحملها الا شخص كامل الاهلية القانونية والمعنوية، حين قال بان الرئيس (باراك اوباما)، الذي ينحدر من اصول اسلامية أفريقية، ووزيرة خارجيته (هيلاري كلينتون) هم من اخترع (داعش)، ودعم المتشددين والمتطرفين في الشرق الأوسط، بعد ان انشأوا جبهة النصرة في سورية منتصف عام 2012، وحولوها الى (داعش)، وسهلوا دخولها الى العراق عام 2014، وبداوا العزف على وتر الطائفية والقومية بعد اطلاق حرب الجيل الرابع الأمريكية، التي تجعل العدو يقتل نفسه بنفسه، لإنتاج الدولة الفاشلة.

وذلك لإيمانهم بان الفكر الديني والقومي المؤدلج بالتطرف يستقطب المقاتلين باسرع وقت ممكن لإدامة الصراع بعد فتح الحدود، وضمان استمرار الحرب على غرار الحرب الاهلية في أمريكا، وحرب الثلاثين عاماً في اوروبا للفترة من ١٦١٨ الى ١٦٤٨، التي استنزفت مواردها الاقتصادية والبشرية، حيث يكون القتال في هذه الحرب من اجل اثبات الهوية الطائفية والعرقية والقومية، فيكون القتل فيها مباح لكل من يعارض هذا التوجه، الامر الذي يجعل الحرب اكثر فتكا والقتل بلا انسانية ورحمة او تمييز بين امرأة وطفل وشيخ مسن، لأنه مبرر بموجب الشرائع الفكرية والتطرف الديني، على عكس القتال من اجل الوطن، الذي يهدف الى حماية الوطن والمواطن ومنع العبث بأمنه القومي والمجتمعي.

ان مشروع اوباما- بايدن في الشرق الاوسط كان مكملاً لمشروع الحرب الطائفية التي بدأها (بوش الابن)، حين استدعى القاعدة للقتال في العراق، ونشبت حرب طائفية مقيتة اتت على الاخضر واليابس في هذا البلد الجريح. لكن اوباما ونائبه بايدن لم يكتفوا بهذا القدر من الدمار في العراق، وإنما سعوا جاهدين الى توسيع رقعة الصراع في المنطقة، بعد سحب القوات الامريكية من العراق في ٣١-١٢-٢٠١١، ليجهزوا على ما تبقى من بنى تحتية عامرة في عدة بلدان عربية منها العراق وسورية وليبيا واليمن، فاسسوا جبهة النصرة في سورية حسب اعترافات الرؤساء والمسؤولين الامريكان والوثائق المسربة، وبعد اربعة اشهر تحولت جبهة النصرة الى (داعش) كما اسلفنا لتحل محل (القاعدة)، وقاموا بإدخالها الى العراق لتعيث في الارض فسادا. ولن يكتفوا بهذا القدر من الدمار وإراقة الدماء، بل اخذوا يخططون خلف الابواب الموصدة الى تقسيم المنطقة من جديد لدويلات مستضعفة متصارعة فيما بينها، فقدم بايدن، وبمباركة اوباما الرئيس، مشروع تقسيم العراق، سيء الصيت، الذي حضى بموافقة الكونغرس الامريكي، لاذكاء نار الفتنة الطائفية والعرقية والقومية، التي اذا ما اشتعلت فانها لا تنطفىء.  

كانت سياسة اوباما- بايدن لا تحبذ دخول تركيا على خط المواجهة او اقحامها في الحرب، لأنها لا تمتلك العمق والنفوذ والتأثير الطائفي والعرقي الحقيقي، الذي تستطيع من خلاله تأجيج الفتنة وإشعال نار الحرب، كذلك بسبب تضارب مصالحها القومية مع مشروع اوباما - بايدن المدمر للمنطقة العربية على وجه الخصوص، وعليه سمحوا لإيران بالدخول على خط المواجهة، وأسسوا فصائل مسلحة مدعومة امريكيا في مناطق الصراع في بلاد الشام، الامر الذي جعل دول المنطقة العربية تدخل في حالة من التأهب والترقب والخوف والرعب "المبرر"، حين وِضِعت دول الخليج وسط كماشة النار الممتدة من ليبيا مرورا بلبنان وسورية والاستراحة في العراق، ثم الانطلاق الى اليمن السعيد، حيث يقتل ابناء المشرق العربي المغرر بهم انفسهم بأنفسهم، لا لشيء سوى الايمان بأفكار بعيدة كل البعد عن الوطنية، والدين، والتطور، والحداثة، والتعايش السلمي بين الشعوب.

وعند مجيئه الى السلطة في البيت الابيض عام 2017، بعد ان ودعها اوباما وهو يذرف الدموع، ليس اسفا على ما فعل من جرائم بحق الإنسانية، وإنما حبا بكرسي السلطة وغطرستها- قام (ترمب) بإيقاف مشروع اوباما - بايدن، ودعم التحالف الدولي لمحاربة (داعش) في العراق وسورية، التي اسسها اوباما وكلينتون حسب قول ترمب، وحجم حركة ما يسمى بالدولة الاسلامية الى الحد الذي كاد يقضي على جميع فلولها بمساعدة القوات العراقية والغطاء الجوي الذي توفره قوات التحالف الدولي من خلال الضربات الموجعة التي وجهتها القوات للخلايا الارهابية متعددة الجنسيات، في حين بقيت الحرب التي تقودها السعودية في اليمن بين كر وفر.

ركز ترمب على عدة قضايا من اهمها مسالة صفقة القرن، ونقل السفارة الامريكية الى القدس، وإجبار اغلب الدول العربية بالترهيب والترغيب للتطبيع مع (اسرائيل)، وكان اهتمامه وتركيزه على هذه القضايا اكثر واكبر من تركيزه على استمرار الحرب الامريكية الكفائية، التي ابتدعها اوباما، حيث بدا بسحب قواته من سورية، وقلل عددها في العراق، وأطلق يد تركيا في ليبيا وسورية وشمال العراق، كذلك قلل من دعم امريكا للسعودية في مشروعها القاضي بمواجهة التمدد الايراني في المنطقة العربية، بهدف جعل السعودية تفكر مع دول الخليج الاخرى بالحليف الاقليمي الاستراتيجي الاقرب والأقوى ويمتلك القوة النووية في المنطقة، وهو (اسرائيل)، لحمايتها من التمدد الايراني والتركي، فبدات حينها الدول العربية تتهافت الواحدة تلو الاخرى من اجل التطبيع، لتبدأ بعدها صفحة جديدة من صفحات مشروع (ترمب) في منطقة الشرق الأوسط، الذي تكلل بنقل صواريخ القبة الحديدية الاسرائلية الى دول الخليج لحمايتها من الهجمات الصاروخية، لكنه ودع البيت الابيض مبكراً، ليتسلم بايدن الادارة الامريكية بدلاً عنه مطلع ٢٠٢١، وهو يتطلع الى تحقيق مشروعه الذي لم يكتمل في زمن اوباما.

ان تصريحات مستشاري بايدن ووزير دفاعه تتحدث عن ضرورة مواجهة اعداء امريكا بالطرق التي يرتايها الديمقراطيون امثال اوباما وبايدن وكلينتون في قيادة الدولة، والتي تعني احياء بعض المشاريع في الشرق الاوسط التي اتفق عليها اوباما وبايدن حين كان نائبا للرئيس وجمدها ترمب، والذي يعني مزيدا من التصعيد في مواجهة المشاكل الخارجية خاصة في الشرق الاوسط الملتهب، لكن مثل هذا التوجه يتطلب استقرار في الداخل والخارج الامريكي، لكي تتحرك الادارة الامريكية الجديدة بهدوء في مواجهة اعداءها كما يسمونهم.

حيث يرى الباحثون في الشأن السياسي بان حكومة بايدن ستواجه العديد من الصعوبات والأزمات، منها داخلية تتمثل بالوضع السياسي العام المسيطر عليه نسبيا، وانقسام الداخل الامريكي السياسي والاجتماعي، الذي ينذر بنشوب حرب أهلية، والذي ينبغي على الرئيس اعادته الى نصابه بعد كسب ثقة الشارع الامريكي والقوى السياسية الفاعلة، ناهيك عن ازمة جائحة كورونا واثارها الاقتصادية المدمرة، التي ارهقت العالم باسره. ومن هذه الصعوبات والأزمات خارجية تتمثل باعادة النظر في انتشار القوات الأمريكية، والبدء بترميم علاقات امريكا بمحيطها الخارجي، التي تضررت في زمن ترمب، من ناحية علاقة امريكا بالاتحاد الأوربي، وانسحابها من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وسوء علاقة امريكا بالصين، وروسيا على مستوى العلاقات الثنائية وتقاسم المصالح في الشرق الاوسط والعالم.

لذلك فان اية فكرة لدى الرئيس بايدن في احياء مشاريعه القديمة، التي اقترحها في زمن اوباما، لتقسيم المنطقة على اسس طائفية وعرقية وقومية، او احياء مشاريع اوباما الخاصة بالاحتراب الطائفي (القاعدة) و(داعش)، التي بانت بوادرها في تفجيرات بغداد الدامية صباح ٢١-١-٢٠٢١ عشية تسلم بايدن للإدارة الامريكية في البيت الأبيض، قبل معالجة الوضع الداخلي والخارجي الأمريكي، سيجعل امريكا تدفع الثمن غاليا من سمعتها ومستقبلها كدولة عظمى.

لقراءة المزيد من مقالات الكاتب اضغط على الرابط الاتي: مجلة معارج الفكر

ليست هناك تعليقات: